الإنهيار السريع للعلاقات الإيرانية الاميركية في عهد ترامب وضع المنطقة أمام احتمالات كثيرة، إلا أن دخول الوساطة الروسية بين البلدين على الخط قد تؤدي إلى نتيجة ما في ظل انعدام الحوار بين الطرفين فهل تسطيع موسكو لعب دور الوسيط الجدي بين الدولتين مع الفارق في النظرة السياسية إلى إيران بين واشنطن وموسكو؟
 

رغم أن إدارة الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب وجهت سهامها المسنونة في كل الإتجاهات إلا أن تلك التي وجهها نحو إيران كانت تحمل رؤوسا نووية وهي الأكثر إثارة للجدل. 
فتهديد وزير الدفاع الأمريكي الجنرال ماتيس برد ساحق ضد كوريا الشمالية على أي قصف نووي قد يقدم عليه الرئيس الكوري لم يعقب عليه أحد لا في سيول ولا في واشنطن ولا في موسكو ولا في طوكيو ولا في أي عاصمة لأي دولة كبرى. 
وبدا واضحًا أن كل القضايا المرتبطة بعلاقة الولايات المتحدة الأميركية بالخارج ابتداءا من مسألة الجدار مع المكسيك إلى الخلاف الذي يحمل بعدا تجاريا مع الصين مرورًا بالعلاقات الأميركية مع الدول الأوروبية ومصير حلف الأطلسي والعقوبات ضد روسيا والعلاقة معها ومسألة النزاع العربي - الإسرائيلي إلى آخر معزوفة التهديدات التي لوح بها الرئيس دونالد ترامب، فإن كل هذه القضايا من أصغرها إلى أكبرها في كفة وقضية العلاقة مع إيران في الكفة الثانية في الميزان الأميركي. 
وبنفس المقدار الذي شكلته إيران في إهتمامات إدارة الرئيس السابق باراك أوباما فهي أولوية في إهتمامات إدارة ترامب الحالية ولكن في اتجاهين متناقضين ومتعاكسين. 
فالرئيس أوباما تعامل مع إيران من باب إقتناص الفرصة لكسبها والاتفاق معها وليس لمواجهتها وهذا السلوك ساهم في الوصول إلى الإتفاق النووي الإيراني بين إيران والدول الغربية. 
أما إدارة ترامب فإنها فتحت طريقا باتجاه واحد في موضوع إيران وطرحت بسرعة قياسية ما يمكن وصفه بأنه قضيتها الرئيسية في أجندة أعمالها على مدى الفترة المقبلة مستخدمة وسيلة معاكسة تماما وهي التهديد واتهامها بأنها راعية لميليشيات إرهابية. 

إقرأ أيضًا: ترامب يضع أميركا بمواجهة العالم
وفي متابعة لتصريحات المسؤولين الاميركيين خلال الأسابيع القليلة الماضية فإن تركيز الأضواء موجه ضد إيران حيث تسابقوا في تقويم الموقف الأكثر عداءا لها والأكثر صلابة والأكثر حدة، ما يعني أن هذه الإدارة الجديدة فتحت كل الملفات الإيرانية وفلشت كل أوراق إيران دفعة واحدة ووضعتها على الطاولة في وقت واحد وضمن حزمة واحدة لا تتجزء. 
فمن التدخل في شؤون اليمن إلى الانخراط في الحروب السورية إلى رعاية حزب الله في لبنان، وكذلك من الملف النووي إلى كل تفصيل آخر، أكان يتعلق بالأداء الاستفزازي تجاه دول الجوار العربي وتهديد الإستقرار في المنطقة العربية او بالتجربة الصاروخية التي سبقها تجارب مماثلة في عهد الرئيس السابق باراك أوباما. ما يشير إلى أن علاقة الولايات المتحدة الأميركية بإيران مهددة بالانهيار التام بل أنها بلغت الذروة من التوتر وهذا ما أتاح للروس الدخول على خط الوساطة بين الطرفين ومحاولة الكرملين لعب دور الحكم بينهما. 
إلا أن اختلاف الموقفين الأميركي والروسي في النظرة إلى إيران لا يعطي هامش المناورة بينهما مجالا واسعا ورحبا لتستطيع موسكو من خلاله لعب دور الوسيط. ذلك أن الرئيس الأميركي ترامب يصف إيران بالدولة الإرهابية رقم واحد في العالم في حين أن قيادة الكرملين لا توافق على هذا التوصيف، بل أكثر من ذلك فإنها ترى إيران جزء من الحرب الدائرة ضد الإرهاب. 

إقرأ أيضًا: السعودية في عين العاصفة.
وليس من باب التكهن أن دخول روسيا على خط الوساطة يتم بناءا على رغبة إيرانية وطلب منها إلا أن شرط قبوله من قبل موسكو هو أن تخفض طهران سقف مواقفها وأن لا ترد بالمثل على كل موقف أميركي ازاءها .
لا شك أن قضية العالم اليوم هي الإرهاب لكن عند الأميركيين صار جزءا من قضيتهم مع إيران ما يعني أن العلاقة الامريكيه - الإيرانية إلى مزيد من التدهور والانهيار ومن الصعب التكهن بقدرة الروس على إيقاف هذا الانهيار الذي قد لا يتوقف إلا بألتزام طهران بالشروط الأميركية حتى ولو كانت قاسية وبلغت مستوى كأس السم والذي عليهم أن يتجرعوه بمرارة.