ستّ وعشرون سنة مرّت على آخر قانون عفو عام صدر في لبنان تحت الرقم 91/84 تاريخ 26- 8 -1991.
أكثر من 40 ألف مذكرة توقيف في لبنان والتي يشكل أهالي بعلبك الهرمل أكثر من 70 في المئة من نسبة هذه المذكرات، أحيلت إلى لجان تابعة لحزب الله ونوابه، بحثًا عن صيغة قانونية تسمح بـ"تبييض" سجلات الأشخاص الصادرة بحقهم، تمهيدًا لفتح صفحة جديدة تعيد المحافظة "المنفية" إلى كنف الدولة ومؤسساتها.


هذا الموضوع الذي خرج إلى العلن مع زيارة قام بها نائب بعلبك نوار الساحلي ورئيس جهاز أمن حزب الله وفيق صفا إلى وزير العدل سليم جريصاتي، كشفت عن مساع لإيجاد مخرج يوقف تعقب المطلوبين في الملفات التي لاتزال قيد التحقيق أو تلك التي في الهيئة الإتهامية، على أن يسلم المحكومون أنفسهم إلى القضاء لتسوية أوضاعهم.
فقد اكتظّت السجون اللبنانية غير المؤهلة أصلاً لإستقبال البشر والتي تفتقد لأدنى المعايير المفروضة دوليًا لحقوق السجين، وتغرّب داخل الوطن عشرات الآلاف من المطلوبين للقضاء بتهم مختلفة منها ( جرائم السرقة أو الخطف، تشابه الأسماء، إطلاق النار، زراعة حشيشة وترويج المخدرات، وغيرها..)، وهم يرفضون تسليم أنفسهم، لأسباب كثيرة أولًا لأن قانون أصول المحاكمات الجزائية يفرض عليهم التوقيف الإحتياطي أو التوقيف قيد المحاكمة لإسقاط الملاحقة والحكم ولإعادة المحاكمة، ثانيًا لإنعدام ثقتهم بالنظام القضائي، وثالثًا لظروف إعالة عائلاتهم.


ضاعت الأدلّة الجنائية لمعظم القضايا الغيابيّة بفعل مرور السنين، توفي الكثيرون، هاجر الكثيرون، فأصبحت المحاكمات اليوم شبه مستحيلة أو دون جدوى لأسباب قانونيّة إجرائيّة أو واقعيّة بحتة، وأمضى العديد من المحكومين أشغال شاقة مؤبّدة أكثر من خمس وعشرين سنة في السجن، تمّ إقتراح قوانين تحدّد سقفًا للعقوبة المؤبدة بعشرين سنة أو بخمس وعشرين سنة، بقيت كلها في الأدراج.
فإن إغراق بعلبك الهرمل بمذكرات التوقيف وعدم العمل على حلها بشكل جدي يعود للإمعان بسياسة حرمان أهالي المنطقة من الوظائف الرسمية، وإبقاء المنطقة خارج خارطة الإنماء، عائمة في بحر من البطالة، الفقر والحرمان.
ففي هذه المحافظة قنبلة اجتماعية موقوتة إسمها الضرورة الملحّة لقانون عفو عام، فهي ضرورة وطنية قبل أن تكون حاجة إنسانية.
وفي بداية العهد الرئاسي الجديد وعلى أبواب الإستحقاق الإنتخابي لا بُدّ من قانون مفاجئ يغير مجرى حياة منطقة بكاملها..