في شباط 1979 عاد مفجّر الثورة الاسلامية في إيران الامام الخميني، الى العاصمة طهران من منفاه الفرنسي، واتخذ منذ ذلك التاريخ مع رفاق له قرارات كرّست انتصارها ومأسستها. ولمناسبة بلوغ الجمهورية التي أسَّس سنّ الـ38 من عمرها زار بيروت الأسبوع الماضي رئيس مجلس الشورى الايراني السابق غلام علي حداد عادل بيروت. طبعاً لن يتناول "الموقف هذا النهار" لقاءاته السياسية فيها. إذ أن وسائل الاعلام المتنوّعة غطّتها. لكنه سيتناول جلسة عقدها مع مجموعة نخبوية من المسيحيين اللبنانيين في "منتدى المشرق للتعددية" في الضاحية الشرقية للعاصمة، وتحديداً أموراً تحدّث عنها وأخرى تحدّث عنها سامعوه من شأنها إعطاء فكرة للقرّاء عن هواجس المسيحيين أو قسم مهم منهم، وعن سياسة إيران أو ربما استراتيجيتها الاقليمية.
بدأ الدكتور عادل حديثه بطرح السؤالين الآتيين: من هو الإمام الخميني؟ وما هي أسباب ثورته على الشاه ونظامه؟ وأسهب في الجواب عنهما مشيراً الى المظالم التي ارتكبها الأخير خلال حكمه والى اكتظاظ سجونه بالمعتقلين السياسيين، والى تحالفه مع أميركا وإسرائيل والى إعرابه عن سروره يوم هَزَمت الأخيرة العرب في 5 حزيران 1967، والى دعوته الى الحرية والعدالة ومواجهة الاستعمار، والى رفضه الأنموذج المعروف للعلاقات الدولية القائم على سيطرة الدول العظمى والكبرى على الدول الصغرى. واعتبر "حزب الله" في لبنان أنموذجاً لأفكار الخميني. وشدّد على أن "إيرانه" هي التي وقفت مع قضية "فلسطين" يوم تخلّى عنها العرب، وهي الدولة الشيعية التي ساعدت "الحزب" الشيعي المذكور لتحرير لبنان من احتلال اسرائيل والسُنّة الفلسطينيين ("حماس") لمواجهتها، وهي التي وقفت مع شباب لبنان "المقاوم" ومع شباب سوريا "المقاوم" لمحاربة "الدواعش". ثم توجّه بكلامه الى المسيحيين قائلاً: "نحن المسلمون تجمعنا معكم مشتركات وتحدّيات مشتركة يجب أن نتعاون لتجاوزها. وأهم المشتركات كوننا كلنا من أتباع ابراهيم ومن المؤمنين بالقيامة بعد الموت. وأهم التحديات الإرهاب ضد المنطقة والجهات والدول الداعمة له. ولو لم يتم التصدي له ثم إلحاق الهزيمة به في حلب أخيراً ماذا كان سيحصل في لبنان؟".
وفي معرض ذكر أسباب ثورة الامام الخميني تحدّث عن مستشار للشاه اسمه أسد الله علم كتب يومياته معه، وطلب من عائلته عدم نشرها الا بعد مئة سنة مفترضاً أن نظامه سيدوم مدة كهذه. لكن الذي حصل أن الثورة الاسلامية قامت وانتصرت عام 1979 أي بعد عشرة أشهر من وفاته.
هل من تعليق على "حديث" الدكتور عادل؟
هناك تعليقان يلفت الأول الى أن مؤسسي الثورة في إيران وأبناءهم ليسوا في حاجة بعد 37 أو 38 سنة من قيام جمهوريتها الى تبرير وشرح مسهب لدوافعها. فعلى الصعيد الداخلي كل الناس في العالمين العربي والاسلامي كما في العالم الأوسع يعرفون "مآثر" نظام الشاه الظالمة لشعبه. ويعرفون تالياً سياساته المخيفة لجارات إيران من الدول العربية في الخليج التي خفّضت أميركا الحليف المشترك للاثنين من أضرارها المباشرة. ويعرفون أن الثورة الاسلامية أسّست، دولة قويّة جداً بل ربما الوحيدة الجديّة في المنطقة.
ويعرفون أيضاً موقفه الايجابي من إسرائيل وتعامله معها وتجاهله شعب فلسطين وحقوقه. لكن السؤال الذي يثيره هذا المبرّر الصحيح والمنطقي هو: هل الدول التي تؤيدها الجمهورية الاسلامية الايرانية في المنطقة والعالم محكومة بأنظمة عادلة ومؤمنة دينياً وبعيدة من الفساد ولا تمارس القمع والاستبداد؟ والجواب طبعاً كلا. والدول التي تخاصمها وتتحارب معها ألا تشبه ممارساتها وقِيَم أنظمتها ممارسات الدول التي تدعمها؟ فمساعدتها لشعوب معينة دافعها تخليصها من الظلم اللاحق بها على أيدي أنظمتها معروفة. لكن مساعدتها لأنظمة أخرى تقمع شعوبها وتصادر حرياتهم وتمارس عليهم ديكتاتوريات عسكرية وحزبية وفئوية معروفة أيضاً. وبحسب كل المقاييس الدولية والقانونية والدينية والاخلاقية سوريا النظام تنطبق عليها الصفات الأخيرة وقامت فيها انتفاضة شعبية إصلاحية تحوّلت ثورة لكنها ووجهت بقمع منه قاسٍ، وبتأييد ودعم لامتناهيين من إيران الاسلامية، بذريعة محاربة الارهاب التكفيري وهو ما صارته الثورة. لكن من شجّع على صعود الإرهاب؟ طبعاً الدول المعادية لإيران الإسلامية و"لمشروعها التوسّعي" وأحادية دورها على حساب هذه الدول في المنطقة. علماً أن أنظمة الأخيرة قد تختلف بالدرجة وليس بالهوية عن إيران في ممارساتها تجاه شعوبها. ما هو التعليق الثاني على كلام الدكتور عادل؟