وبالرغم من أن الاستراتيجيات الأميركية الكبرى وعلى المدى الطويل لا تصنعها الإدارات الأميركية المتعاقبة ولا يضع أسسها الرؤوساء بل تصنع بعيدا عن الأنظار وفي كواليس وكالة الاستخبارات وفي دهاليز أجهزة غير منظورة تعني بسياسة الحفاظ على مصلحة الولايات المتحدة الأميركية العليا وعلى المدى البعيد وفي الغرف السرية المعنية بصناعة القرارات الكبرى ووضع الاستراتيجيات طويلة المدى
 

المتابع للسياسة الخارجية الأميركية لا يحتاج إلى الكثير من التحليل ليكتشف أن سلوك الإدارة الأميركية في عهد الرئيس الجديد دونالد ترامب تجاه القضايا الخارجية وخصوصا تجاه الملفات المتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط لا سيما الساخنة منها يختلف اختلافا كليا عن السلوك الأميركي في عهد الرئيس السابق باراك أوباما. 
وبالرغم من أن الاستراتيجيات الأميركية الكبرى وعلى المدى الطويل لا تصنعها الإدارات الأميركية المتعاقبة ولا يضع أسسها الرؤوساء بل تصنع بعيدا عن الأنظار وفي كواليس وكالة الاستخبارات وفي دهاليز أجهزة غير منظورة تعني بسياسة الحفاظ على مصلحة الولايات المتحدة الأميركية العليا وعلى المدى البعيد وفي الغرف السرية المعنية بصناعة القرارات الكبرى ووضع الاستراتيجيات طويلة المدى. 
إلا أنه ورغم كل ذلك فإن للرئيس هامشا من التحرك يعطي الإدارة مساحة من الحرية لاتخاذ قرارات خاصة وإن لم تلامس الإستراتيجية الكبرى ولكنها كافية لأن تعطي الرئيس طابعا مميزا يتلون به عهده وتشكل موضع إختلاف بين رئيس وآخر وبين إدارة وأخرى. 
وإذا كانت سياسة الرئيس السابق باراك أوباما تميزت بالانكفاء نحو الداخل والاهتمام بالشؤون الحياتية للمواطن الأميركي وخصوصا في الجانب الصحي والمعيشي، فإن أنظار الرئيس الجديد اخترقت الحدود لتصل إلى منطقة الشرق الأوسط مرورا بالمكسيك وكوريا الشمالية، إذ أنه يمعن في قلب الوقائع التاريخية كي تتناسب مع رؤيته للعالم وهو الآتي من عالم رجال الأعمال والمال ومن عالم المصارعة. 
فالرئيس ترامب يريد أن يبني جدارا بين الولايات المتحدة الأميركية وجارتها المكسيك على نفقة الشعب المكسيكي المسحوق للحد من حركة التهريب بين البلدين بعد اتهامه المكسيك باستغلال بلاده لعقود من الزمن، ولو كلفه ذلك إرسال جيشه إلى هذا البلد لمحاربة تجار المخدرات وكذلك فإنه يهدد كوريا الشمالية برد ساحق إذا ما تمادت في تطوير منظومة أسلحتها الصاروخية وغالت في عدائها لأميركا واستفزازها بإجراء تجارب لصواريخها الباليستية. 

إقرأ أيضًا: مؤتمر الاستانة نجح بتشتيت المعارضة
ولا يخفي الرئيس ترامب مطالبته علنا بمصادرة نفط العراق كي تسترد أمريكا التريليونات التي دفعتها كلفة للغزو الأميركي الذي قام به جورج بوش الإبن لهذا البلد عام 2003. 
ولترامب مفهومه الخاص للسياسة والتاريخ وهذا ما يتطابق مع إعلانه عن البحث في إنشاء مناطق آمنة في سوريا للحد من هجرة السوريين باتجاه بلاده وباتجاه الدول الأوروبية. 
ولا يعتبر ترامب بناء مستوطنات يهودية جديدة على الأراضي الفلسطينية وخصوصا في القدس الشرقية عقبة في وجه السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل. 
ولم ينس ترامب بأوامره التنفيذية التي اتخذها التوقيع على قرارات تقضي بمنع دخول اللاجئين وحظر دخول رعايا سبع دول ذات اغلبيات مسلمة إلى الأراضي الأميركية وهذا يساعد وبأجماع الخبراء على تعزيز نظرية التنظيمات الإرهابية التي تقول بأن أميركا تشن حربا على كل المسلمين ولا تستهدف تنظيمات بعينها. 
ويصر ترامب على تأكيد قناعته بأن العالم كله يستغل أميركا وليس العكس من المكسيك وكندا إلى أوروبا والشرق الأوسط والصين وصولا إلى استراليا فهؤلاء بمفهومه كلهم استغلوا الولايات المتحدة الأميركية. 
على أنه كان لإيران الحصة الأكبر في حسابات الرئيس دونالد ترامب وتهديداته وذلك عندما لوح بكل الخيارات بما فيها العسكرية ضدها كرد على السلوك الإيراني الاستفزازي إضافة إلى تهديده بالتنصل من التزام بلاده بالإتفاق النووي الإيراني الموقع بين إيران والدول الغربية الست وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية. 

إقرأ أيضًا: السعودية في عين العاصفة.
وفي خطوة عقابية أولى تتخذها الإدارة الأميركية الجديدة ردا على تجربة إيران بأطلاق صاروخ باليستي قبل أيام وسلوكها الاستفزازي في المنطقة فقد فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات اقتصادية جديدة عليها وشملت 25 شخصية ومؤسسة تساهم في تطوير البرنامج الصاروخي الإيراني او تخدم فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني والذي يعمل عن كسب مع تنظيمات تصنفها واشنطن إرهابية مثل حزب الله اللبناني وميليشيات أخرى تنشط في سوريا والعراق. 
بكل الأحوال لا يزال هناك متسع من الوقت للحكم على ترامب ما إذا كان سيلتزم بنهج اسلافه الأربعة وأربعين رئيسا عملوا على إيصال أميركا إلى تبوء مكانة زعامة العالم ام أنه سيكون الرئيس الخامس والأربعين الذي سيدق اسفينا في قلب هذه الزعامة ويضع أميركا بمواجهة العالم كله ويسير بها نحو القهقرى والتراجع ما يلوح بأفول النجم الأميركي.