هل نشهد انقلاباً على التسوية؟ وهل سيكون الكوستا أجمل الكوابيس؟ ما علاقة الفراغ اللبناني بالتصعيد الإيراني الأميركي؟ وكيف نقل عون الرسالة في مجلس الوزراء؟
 

في مجلس النواب، حين وصل تعداد أصوات المرشح ميشال عون إلى 65، وانفرجت أساريره، نهار 31 تشرين الأول 2016، همس البعض أنّ ما يجري في بيروت ليس انتخابات محلية، "السحر" الذي هبط على جميع القوى السياسية، وجمعها في مجلس النواب، لم يقنع أحداً. قليلون كانوا يعرفون تفاصيل الصفقة الإقليمية والدولية. وإلى هذه اللحظة لم يعلن عنها أحد بعد.

حتّى حين قال وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف، في 18 كانون الثاني الماضي، إنّ "السعودية وإيران تعاونتا بشكل ناجح لإنهاء الفراغ في لبنان"، خرج مسؤولون سعوديون لينفوا هذا الكلام. لكنّ الرئيس نبيه بري أكّد أمام زوّاره: هناك صفقة أميركية إيرانية.  

اللبنانيون لم يكترثوا، ما دام أنّ "الأمور ماشية"، لا فرق إذا كانت التسوية داخلية، أو إقليمية، أو دولية. لكن هل فعلاً لا فرق؟

قبل أسبوعين تقريباً، كان كلّ شيء يسير على ما يرام، من كان ليظنّ، وإن للحظة واحدة، أنّ التسوية بين الفريقين، التي جاءت بعون إلى بعبدا وبسعد الحريري إلى السراي الحكومي في نهاية 2016، لم تلحظ الاتفاق على انتخابات أيار 2017؟  لا أحد. كلّ التسريبات كان تشير إلى توافق على الانتخابات، إما قانون الستين، أو تعديله، أو قانون مختلط بنتائج "ستينية".

فما الذي جرى؟

إنتُخب ترامب في 8 كانون الأول 2016. هو الذي لطالما هدّد بفسخ الاتفاق النووي مع إيران، وتغيير وجهة السياسة الأميركية في المنطقة وبقية أنحاء العالم.

دخل دونالد ترامب البيت الأبيض قبل أسبوعين فقط، في 20 كانون الثاني. في الليلة نفسها نجت بيروت من عملية انتحارية في شارع الحمرا بعد إلقاء القبض على المنفذ قبل تفجير نفسه في مقهى الكوستا... بعد ساعات فقط، في 22 كانون الثاني، قال رئيس مؤسسة الطاقة الذرية الإيرانية علي أكبر صالحي، في مقابلة على قناة "CBC" الكندية، إنّ طهران ستستأنف برنامجها النووي فور تنصّل ترامب من الاتفاق النووي، ساعات قليلة، وخرج ترامب في 25 كانون الثاني ليعلن موافقته على إنشاء مناطق آمنة في سوريا "لحماية الشعب السوري"، وبعدها بساعات أيضاً، في 26 كانون الثاني، وخلافاً لاتفاق سابق، رفض عون بحث تشكيل هيئة الإشراف على الانتخابات النيابية، خلال جلسة مجلس الوزراء، ما فاجأ الرئيس الحريري ووزير الداخلية نهاد المشنوق. توجّه عون إلى المشنوق قائلا: "الفراغ ولا الستين".

فما الذي يجري؟

هل انكسر ظهر الوفاق؟ هل بدأ الحريري يشعر بأنّ شيئاً ما يلوح في بيدر التسوية، غير الذي اتُفق عليه في حقل المفاوضات؟ وهل سيكون لبنان ساحة أولية لتصفية الحسابات؟

الأكيد أنّ عملية "الكوستا" ليست تفصيلاً. الاستقرار السياسي والأمني في لبنان بات ضمن دائرة الخطر.، في أوساط الفريق غير الإيراني من يستشعر انقلاباً بعنوان "الفراغ" الذي هدّد به عون، فهل كان يهدّد الحريري؟ أو كانت رسالة إيرانية إلى ترامب، من بيروت؟

في 29 كانون الثاني أجرت إيران تجربة لصاروخ باليستي قادر على حمل نصف طنّ من المتفجرات ومداه 300 كيلومتر، بعد ساعات اتصل ترامب بالملك السعودي و"اتفقا على إنشاء المناطق الآمنة في سوريا". وبدا أنّ الأمور تتدهور بسرعة.

العواصم الكبيرة تحرّكت سريعاً. سفيرة إسبانيا، ممثلةً الإتحاد الأوروبي، طلبت موعداً من وزير الداخلية نهاد المشنوق في 31 كانون الثاني وقالت له إنّ "إجراء الانتخابات النيابية في موعدها يثبّت استمرار المجتمع الدولي في حماية الاستقرار السياسي في لبنان"، في 3 شباط زارت المشنوق سفيرة الولايات المتحدة وقالت له: "بلادي تنظر إلى الانتخابات النيابية كأحد المظاهر الديمقراطية التي تميّز لبنان في المنطقة، ويجب ألا يعوّق إجراءها في موعدها أيّ خلاف سياسي". إشارة أوروبية وأخرى أميركية. وهذا ليس تفصيلاً.

تنصّلُ عون من "هيئة الإشراف" ليس تفصيلاً. في 2 شباط، وبعد تجربة إيران صاروخ باليستي قبل أيام، كتب ترامب على تويتر إنّ إيران يجب أن تكون ممتنة لـ"الاتفاق المريع الذي عقدته إدارة أوباما معها فأنقذتها من الانهيار وأعطتها 150 مليار دولار"، فردّ رئيس مركز الأبحاث الاستراتيجية لمجمع تشخيص مصلحة النظام الإيراني علي أكبر ولايتي بأنّ "على الإدارة الأميركية الجديدة أن تسأل الإدارات السابقة كيف منيت بالهزيمة في أفغانستان وكيف تم تمريغ أنوفهم في العراق".

كلّ هذا جرى في أسبوعين. وأمامنا أسبوعان آخران، طويلان، قبل 21 شباط، التاريخ النهائي لدعوة الهيئات الناخبة من قبل وزارة الداخلية في لبنان، على مسافة 90 يوماً من الانتخابات المقرّرة في 21 أيّار.

هل سنشهد انقلاباً على التسوية؟ وهل سيكون "الكوستا" أجمل الكوابيس؟