تشكل إقامة مناطق آمنة في سوريا ربما الحل الأفضل من وجهة نظر الرئيس اللبناني لحل معضلة اللاجئين السوريين الذين يشكلون عبئا كبيرا بالنسبة إليه لأسباب متعددة لعل من أهمها الخوف من أن يؤدي توطينهم في لبنان إلى توسيع الهوة بين المسيحيين والمسلمين في هذا البلد، ويرى عون أن إقامة مناطق آمنة لابد أن تتم بتنسيق مع الحكومة السورية وهذا الموقف موجه إلى حليفه حزب الله أكثر منه إلى دمشق.
 

قال الرئيس اللبناني ميشال عون إن عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم يجب أن تتم من خلال عمل المجتمع الدولي مع الحكومة السورية لإنشاء مناطق آمنة لهم في سوريا.

ويتماهى موقف الرئيس اللبناني إلى حد كبير مع موقف روسيا والنظام السوري وحزب الله الحليف الاستراتيجي كما يسميه عون.

ونزح مليون شخص على الأقل إلى لبنان جراء الحرب في سوريا المجاورة منذ عام 2011 أي ما يقرب من ربع سكان لبنان.

وقال عون في لقاء الجمعة، مع مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي “على المجتمع الدولي أن يعمل لتسهيل عودة هؤلاء النازحين إلى بلدهم وذلك عبر إقامة أماكن آمنة في سوريا لاستقبالهم بالتنسيق مع الحكومة السورية”.

وأضاف “لبنان ليس في وارد إلزام أي من النازحين العودة إلى سوريا في ظروف أمنية غير مستقرة لكن لا بد من عمل دولي جامع لإيجاد المناخ المناسب لتسهيل العودة لأن بقاءهم في لبنان لا يمكن أن يدوم إلى الأبد خصوصا وأن ظروف عيشهم على الأراضي اللبنانية ليست مريحة”.

من جهته، نقل غراندي إلى عون، تأكيد مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، على الاستمرار في تقديم المساعدة للبنان، لاسيما في ما يخص رعايتها شؤون النازحين السوريين.

وأشار إلى أن “المفوضية تواصل التنسيق مع منظمات الأمم المتحدة كافة، وأنها تبحث مع الحكومة السورية في وضع مخططات لعودة تدريجية للنازحين الراغبين بالعودة”.

وجاء موقف عون حول المناطق الآمنة بعد أيام قليلة من تأكيد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أنه “سيقيم بالتأكيد تلك المناطق في سوريا” لحماية الأشخاص الفارين من العنف هناك، منتقدا الجانب الأوروبي لقبوله الملايين من اللاجئين.

وطبقا لوثيقة اطلعت عليها وكالة رويترز، من المتوقع أن يأمر ترامب وزارتي الدفاع والخارجية في الأيام القادمة بوضع خطة لإقامة “المناطق الآمنة” في تحرك قد يخاطر بزيادة التدخل العسكري الأميركي في الصراع السوري.

وقد أبدت روسيا ترحيبا فاترا بالخطة، مشترطة أن يتم ذلك بالتنسيق مع الحكومة السورية، ومشيرة إلى ضرورة أن تقدم واشنطن المزيد من الإيضاحات حولها.

كما أكدت وزارة الخارجية السورية أن إقامة مناطق آمنة لابد أن تتم بموافقة وتنسيق مع الحكومة وإلا فإن الأمر سيعد تعديا على سيادة البلد.

ولم يعلن ترامب أي تفاصيل عن الأماكن التي ستنشأ فيها هذه المناطق الآمنة، بيد أن هناك ارتياحا لدول الجوار لمثل هذه الخطوة.

موقف الرئيس اللبناني يتماهى مع موقف روسيا والنظام السوري وحزب الله الحليف الاستراتيجي كما يسميه عون
ويرى محللون أن الرئيس اللبناني ميشال عون قد يكون أحد أكبر المرحبين بإقامة مناطق آمنة داخل سوريا، خاصة وأنه لطالما دعا إلى حل جذري لأزمة اللاجئين، ورفض بشكل مطلق خططا موضوعة لتوطينهم في لبنان.

ولا يرتبط هذا الموقف العوني فقط بالتداعيات الأمنية والاقتصادية التي يخلفها هذا الكم الكبير من اللاجئين على بلاده، بل مرتبط أيضا بتداعيات ديمغرافية طائفية.

ويحرص الرئيس عون والتيار الوطني الحر الذي أسسه كل الحرص على عدم توطين اللاجئين الذين معظمهم ينتمون إلى الطائفة السنية خشية أن يعزز ذلك التفاوت الديمغرافي الطائفي في لبنان، وهذا سينعكس طبعا على حجم تمثيل المسيحيين داخل البلاد.

وهذا الهاجس يؤكده حرص عون خلال عهده على حل ملف الجنسية بالنسبة إلى الآلاف من المسيحيين الذين هاجروا إبان الحرب الأهلية إلى خارج لبنان.

ويرى متابعون أن من الأسباب الأخرى لموقف الرئيس اللبناني هو رفض حليفه حزب الله الذي يدعم النظام السوري، لوجود اللاجئين أيضا، تحت ذات الدوافع وهو الخشية من أن يعزز ذلك الفارق بين الطائفة السنية والشيعية في لبنان.

ويريد حزب الله أن يكون الطرف المسيطر على لبنان، وذلك لا يمكن أن يحصل في حال هناك أغلبية كبيرة لأهل السنة في هذا البلد.

ويضيف المحللون أن تأكيد عون ضرورة أن تتم إقامة تلك المناطق بتنسيق مع النظام السوري، هو رسالة أخرى لحزب الله بأنه لا يزال يسير على نفس النهج الذي اتفقا عليه حينما أعلنا على تحالفهما في كنيسة مار مخايل في فبراير 2006.

وكان عون قد أطلق قبل أيام في حوار صحافي مع إحدى وسائل الإعلام الفرنسية تصريحات مثيرة، نسفت العهد الذي قطعه بأن يبقى بمنآى عن الصراع السوري، بالنظر لوضع لبنان الحساس.

وقال ميشال عون إن الرئيس السوري بشار الأسد لا يزال القوة الوحيدة حاليا التي بإمكانها فرض النظام، مشيرا إلى أنه “من دون نظام الأسد حاليا سنكون أمام ليبيا ثانية”.

وأوضح الرئيس اللبناني أنه لم يكن يوما مقتنعا برحيل الأسد، مشيرا إلى أن الآخرين (الذين يدعون إلى رحيل الأسد) يجهلون سوريا.

واعتبر ميشال عون أن استعادة الجيش السوري لمدينة حلب غيرت موازين القوى لصالح الحكومة السورية، وقد تشكل نقطة انطلاق لحوار ومفاوضات للوصول إلى حل سياسي، موضحا أن “هذا النوع من الحروب لا ينتهي بفوز فريق على آخر، وتوجد دائما تسويات”. وقد أثارت تصريحات عون موجة غضب في صفوف اللبنانيين ترجمت في مواقع التواصل الاجتماعي، مذكرين عون بخطاب القسم الذي أداه عقب نجاحه في الانتخابات الرئاسية في 31 أكتوبر الماضي.