إنه الاشتباك السياسي الثاني في عهد الرئيس ميشال عون، وطرفاه المباشران اليوم هما الرئيس عون والنائب وليد جنبلاط. فبعد الاشتباك الاول خلال تشكيل الحكومة بين عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، يستعر خلاف كبير حول اقرار قانون انتخاب جديد يؤمل ان تجرى الانتخابات المقبلة على أساسه. وإذا كان رئيس الجمهورية قد أطلق مواقف متصلبة من "قانون الستين"، وصولا الى التلويح برفض دعوة الهيئات الناخبة الى الانتخابات، وإدخال البلاد في مرحلة فراغ على مستوى مجلس النواب، فإن الطرف المقابل المجاهر برفضه مشروع الوزير جبران باسيل (النظام المختلط) والذي لم يرفضه "تيار المستقبل"، لكنه تحفظ عن الاستمرار في تأييده بعد استمرار رفض "اللقاء الديموقراطي" له، هذا الطرف (اي جنبلاط) رفع كما كنا توقعنا هنا قبل أسبوعين منسوب معارضته، رافعا اللهجة ليس فقط لمشروع باسيل، بل إنه ذهب أبعد الى حد انتقاد أساليب ممارسة السلطة التي يمارسها رئيس الجمهورية ومحيطه.
لقد رفع جنبلاط مستوى معارضته للقانون المختلط الذي طرحه الوزير جبران باسيل، متجاوزا القانون نفسه لملامسة أساس التسوية السياسية اللبنانية، وواضعا على الطاولة اتفاق الطائف من زاوية انه مستهدف بانقلاب، مما يمنحه شرعية المواجهة.
جنبلاط ليس وحده المتوجس. بل ان الثنائي الشيعي لا يستسيغ ما يحصل على الساحة المسيحية، حيث قرأ بين سطور قانون باسيل المختلط توجها من التحالف المسيحي القائم بين "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية" الى الاستحواذ على نسبة من المقاعد النيابية قد تتجاوز الخمسين. وهذا ما لا يقع في حسابات الثنائي الشيعي البعيدة. من هنا تقاطع رفض جنبلاط والثنائي الشيعي للقانون المختلط، وإن بخلفيات متناقضة. فـ"حزب الله" يريد النسبية الكاملة التي يرفضها جنبلاط، وبري يسعى الى نسبية بمرحلتين ومستويين. أما "تيار المستقبل"، المعلن تمسكه بالمشروع المختلط الذي وقّعه مع كل من "القوات اللبنانية" والحزب التقدمي الاشتراكي، فيقف عند تقاطع كل القوى المتعارضة: هو متمسك بالعلاقة مع عون، وينشد استمرار التحالف مع جنبلاط، ولا يريد صداما مع الثنائي الشيعي، ولذلك لن نرى "تيار المستقبل" في موقف الطرف الذي سيخوض معركة عنيفة دفاعا عن اي صيغة انتخابية يتم عرضها.
والسؤال: الى أي مدى يمكن ان يتفاقم الاشتباك السياسي الثاني في عهد الرئيس ميشال عون؟ سؤال وحدهما عون وجنبلاط يمكن ان يجيبا عنه. فمن حيث المبدأ، هما معنيان بعدم دفع الامور نحو مواجهة أكثر عنفا، وخصوصا أن الامل يبقى معقودا على إدراك الطرفين، ومعهما "القوات" أن التوافق اكثر ربحية من خلاف متفاقم يمكن ان يؤثر سلبا على المصالحة التاريخية في الجبل. وللاطراف الثلاثة مصلحة عميقة في تثبيت المصالحة وحمايتها، وصولا الى ترجمتها الى تفاهمات طويلة الامد قائمة على فهم دقيق لعلاقة لا يجوز أن تهتز في أي شكل.