التعبير الذي استخدمه ترامب في قراره الرئاسي إلى وزيرَي الخارجية والدفاع، لدرس «إنشاء مناطق آمنة في سوريا ومحيطها»، هو بمثابة إشارة يجب أن تثير القلق لدى الدول المجاورة التي تستضيف نحو خمسة ملايين نازح سوري، وبينها لبنان. فتعبير «ومحيطها» يعني قانونياً درسَ إمكانية إنشاء «مناطق عازلة» للنازحين يقع نصفها في الأراضي السورية ونصفها الآخر في أراضي الدولة المجاورة لها.

لا يوجد في القانون الدولي مصطلح «مناطق آمنة»، بالمعنى الذي قصَده ترامب. المصطلح المعتمد هو «مناطق عازلة»، ويقول تعريفها القانوني إنّها تقع في منطقة حدودية مشتركة بين بلدين ينسحب منها جيشاهما المتنازعان، والقرار بإنشائها تتّخذه الأمم المتحدة تحت «الفصل السابع» بفرض حظرٍ جوّي عليها وجعلِها منزوعة السلاح.

وعلى هذا، يتوقّع أن تصحّح دراستا وزيري الخارجية والدفاع الاميركيتين، مصطلح «مناطق آمنة»، فتَستبدله بـ«مناطق عازلة».

وداخل كواليس المعارضة السورية يرفعون الغبار عن مطلبٍ طُرِحَ في بدايات العام 2013 على واشنطن لإقامة «مناطق آمنة» أو «عازلة «على الحدود الأربعة مع العراق والأردن وتركيا ولبنان.

الرئيس الاميركي باراك اوباما رفضَ حينها أيّ مشروع من هذا القبيل، نظراً إلى كلفته المالية العالية (مليار دولار شهرياً)، في مقابل انّ ترامب يطرح في وضوح انّ هذه الكلفة يجب تحصيلها من دول الخليج.

ولا يقارب ترامب مشكلة النزوح ببُعدها الإنساني، بل انطلاقاً من أنّ تسَرّب النزوح السوري من بلده ومن دول جواره، الى دول الغرب خلقَ تحدّيات أمنية على مجتمعاتها.

يعتبر ترامب انّ الحلّ ليس في استقبال دفعات جديدة من النازحين بغضّ النظر عن حجم حصّة اميركا منها، بل بإبقائهم حيث هُم، داخل مناطق آمنة في سوريا وجوارها، على ان تتحمّل الدول العربية الغنية كلفتَها.

ما طرَحه ترامب حتى الآن هو فكرة نظرية حول سُبل عدمِ استقبال مزيد من النازحين السوريين، وطريقة جعلِ كلفة المناطق الآمنة العالية مالياً، لا تسدّدها اميركا واوروبا، أمّا في شأن طبيعة هذه المناطق الآمنة ومَن سيَحميها، ألخ… فإنّ ترامب أحالَ الأجوبة عنها الى وزيرَي الدفاع والخارجية ومنحَهما تسعين يوماً لتسطيرها في دراسة كاملة.

لا تزال فترة الأيام التسعين لإنهاء الدراسة في بدايتها، ومع ذلك ليس مبكراً طرحُ تساؤلات حول مستقبل هذه الخطوة الاميركية وتأثيراتها على الأزمة السورية ودول جوارها:

إستقبلت تركيا وروسيا قرار ترامب، بشيء من الحذر، فأعلنَت موسكو أولَ شرطيها المسبقَين للقبول بمناطق آمنة، وهي ان تكون منسّقة مع الحكومة السورية، وألّا تستخدم منصّات تُستعمل لإسقاط نظام الرئيس بشّار الأسد.

أمّا تركيا فرَبطت ترحيبَها بها، في انتظار معرفة كيف سيتمّ تطبيقها. يهمّ أنقرة ان تحدّد واشنطن المنطقة الآمنة في الشمال السوري، عند نقطة غرب شمال سوريا، وليس في المناطق التي تسيطر عليها لجان حماية الشعب الكردي، لأنّها لا تزال مسرحاً لعمليات درع الفرات.

وتقع هذه المنطقة المرشّحة في تركيا، قبالة مدينة أنطاكية، ما يسَهّل مدَّها بالأغذية، وينتشر فيها حليفُها «الجيش السوري الحر»، ما يعيد الاعتبارَ لـ«خطّها الأحمر» الذي يجعل الكرد وراء خط غرب الفرات.

و«المنطقة الآمنة» الثانية المرشّح إنشاؤها، تقع جنوب سوريا بين السويداء ودرعا والقنيطرة. وهي تخدم هدفَ حماية أمن إسرائيل، وتقديم عون للأردن في مواجهة أعباء النزوح السوري إليه، خصوصاً من الناحية الأمنية.

يلاحَظ أنّ مقاربات الإقليميين لقرار ترامب إنشاء مناطق آمنة، تسعى منذ الآن لتوجيهه، بحيث تُقام على جغرافيا تَدعم مناطق نفوذها وأهدافها في سوريا، وأيضاً لأن تحقّق مصالحها داخل معالجات تداعيات أزمة النزوح السوري.

وحدَه لبنان غائب عن هذا السعي، فانشغالُه بإنتاج قانون انتخاب يعيد رسمَ حدود مكاسب زعماء الطوائف، يَحجب عنه رؤية مصالح لبنان داخل خريطة إعادة رسم موضعة النازحين السوريين الخمسة ملايين الذين يستضيف منهم لبنان مليون وثلاثماية ألف بحسب الأرقام المعلنة.

وفي وقتٍ لم يصدر حتى تصريحٌ واحد عن وزارة الخارجية اللبنانية تعقيباً على قرار ترامب، رغم أنّ لبنان معنيّ بنتائجه، فهناك بحسب أوساط متابعة لهذا الملف، عدة نَواحٍ يجب ان تلتفت إليها بيروت منذ هذا الوقت المبكر:

ـ الناحية الأولى، عدم استبعاد أن تعيّن واشنطن منطقة آمنة أو عازلة ثالثة في سوريا، تقع على الحدود بين لبنان وسوريا. وفي حين تركيا حدّدت شَرطها حول مكان إقامة هذه المنطقة الأولى في الشمال، والأردن وإسرائيل يدركان مسبقاً مكان «المنطقة الآمنة» المرشّحة لأن تُجاور حدودهما، فإنّه يجب على الخارجية اللبنانية انتهاز أنّ الدراسة الاميركية لا تزال في طور الإعداد المبكر، وترفع وجهة نظر لبنان الى واشنطن حول موقفه من إمكانية إنشاء منطقة عازلة على حدوده أو مشتركة.

ـ الناحية الثانية تتصل بضرورة أن يستكشفَ لبنان ما إذا كانت الحملة المتصاعدة أخيراً من وسائل إعلام وهيئات المعارضة السورية الحقوقية في خصوص وجود انتهاكات للدولة اللبنانية ضد النازحين في مخيّمات عرسال، هي نوع من التمهيد لتَوجُّه موجود لإنشاء منطقة آمنة لهم بين لبنان وسوريا، خصوصاً وأنّ فلسفة ترامب لتبرير إنشاء المناطق الآمنة، تركّز على أنها تؤدّي إلى وقف نزوح السوريين، ليس فقط من سوريا، بل من جوارها أيضاً، وفي نظره، فإنّ ذلك يتمّ حصراً من خلال إنشائها في المناطق التي يتعرّض فيها الشعب السوري أو النازح السوري لانتهاكات حربية أو قمعية، تضطرّه للخروج من سوريا أو للخروج من جوارها إلى الدول الغربية.