أجرى الكاتب والصحافي قاسم قصير من خلال كتابه "حزب الله بين 1982 و2016، الثابت والمتغيّر" الصادر حديثُا عن دار سائر المشرق، مقارنةً بين الرسالة المفتوحة التي أطلقها الحزب في العام 5198 وبين الوثيقة السياسية التي تمّ الإعلان عنها في الثلاثين من تشرين الثاني 2009. وقد طرح تساؤلات عدة عن طبيعة التحوّلات والتبدّلات التي طرأت منذ إطلاق الرسالة المفتوحة إلى يومنا هذا، وعمّا إذا كانت التبدّلات والتحوّلات أثّرت على الثوابت التي التزم بها الحزب منذ نشأته، كما عن الأسباب والخلفيات لهذه التغيّرات الحاصلة.
نرى من خلال الكتاب أن قاسم قصير أظهر نقاط التباين التي طرأت على الخطاب السياسي للحزب. إذ إن التغيير بحسبه، تكتيكي مرتبط بتبدّل الظروف والأوضاع وليس تغييرًا في الإيديولوجيا والعقيدة السياسية، بل في الأسلوب واللغة المعتمدتين من خلال تقديم مفاهيم وأفكار جديدة تتناسب مع التطورات التي طرأت بين تاريخ إطلاق كلّ من الرسالة المفتوحة والوثيقة السياسية، إذ في الفترة الزمنية الفاصلة بينهما، طرأت أحداث محليّة وإقليمية ودولية كبرى أدّت بالقيادة السياسية للحزب إلى إجراء التغيير لمواكبة هذه التبدّلات. -
ففترة الربع قرن الفاصل ما بين "الرسالة" و"الوثيقة" شهدت تبدلات كبرى أبرزها سقوط حائط برلين وما تلاه من سقوطٍ للاتحاد السوفياتي، وبالتالي نهاية الحرب الباردة بين المعسكرَين الشرقي والغربي، إضافةً إلى انتهاء الحرب اللبنانية وتوقيع اتفاق الطائف، فانسحاب إسرائيل من جنوب لبنان في أيار الـ2000 إلى حرب تموز 2006. وقد جاءت "الرسالة المفتوحة" على أثر عمليات عسكرية قامت بها مجموعة من الجنوبيين والبقاعيين، واضطرار قيادة الحزب إلى الكشف عن هويته والتعريف عن ثوابته. فحددّت الرسالة علاقاتها مع الولايات المتحدة الأميركية و"العدو الإسرائيلي وحلفائه حزب الكتائب" على ما جاء في الكتاب الذي وصف الرئيس بشير الجميل "بالجزّار" واعتبر أن "أميركا أوصلت أمين الجميل للرئاسة لخلافة أخيه المقبور".
أما "الوثيقة السياسية" الصادرة بعد أربعة وعشرين عامًا، فلم تشر إلى أعداء داخليين. إذ إن الصراع الذي كان قائمًا في العام 1985 مع حزب الكتائب لم يعد مسلّحًا بل سياسيًا، فيما على صعيد الأعداء الخارجيين، لا تزال إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية بنظر الحزب عدوَين. وإضافة إلى التبدلات في خطاب حزب الله السياسي برز خلال هذه الفترة الزمنية خروج حزب الله من عزلته ودخول في شبكة علاقات مع الأحزاب السياسية اللبنانية. وقد كانت ذروة هذا الانفتاح توقيع الحزب ورقة تفاهم مع التيار الوطني الحر، بعدما كان انفتح مع نهاية الثمانينات ومطلع التسعينات على القوى والأحزاب التي كانت تدور في الفلك السوري بعد نزاعات عسكرية معها، وعقد في ظل المرحلة السوريّة تحالفه الوثيق مع حركة أمل وتيار المردة وكافة المكوّنات التي شكّلت فيما بعد ما عرف بقوى الثامن من آذار. ثم شارك في كافة الانتخابات النيابية التي جرت بعد اتفاق الطائف، وفي الحكومات ابتداءً من سنة 2005.
إزاء التبدّلات التي أستوجبتها الظروف والتحوّلات المحلية والإقليمية والدولية المشار إليها، سلّط الكاتب قاسم قصير الضوء على الثوابت التي بقي الحزب عليها في "الوثيقة السياسية" والتي تجعله يصل إلى استنتاج بأن المتغيّرات ليست بنيوية، ولا تطال ثوابته الرئيسية على مستوى مقاومة إسرائيل ودعم القضية الفلسطينية وعلاقته الوثيقة بالولي الفقيه في إيران والنظام الإسلامي الإيراني وقيام دولة إسلامية في لبنان، فضلًا عن علاقته المميّزة والمصيرية مع النظام السوري التي استوجبت إرسال المقاتلين إلى سوريا.
بكلام آخر، إن التغيير الذي حصل سواء في الخطاب السياسي للحزب أو في علاقته مع الأحزاب السياسية اللبنانية وموقفه منها، هو تغيير تكتيكي وليس تغييرًا إيديولوجيًا. وهنا يبرز تساؤل عما إذا كان هذا المنحى سينسحب على علاقته مع حزب القوات اللبنانية من خلال حليف الطرفَين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون.  
 
بيترسلمون
سائر المشرق