إذا لم يتمكن أركان التسوية التي أفضت الى انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية والرئيس سعد الحريري رئيساً للحكومة من الاتفاق على قانون انتخاب، فإنّ التسوية بمجملها تكون قد دخلت في نفق مبكر، سيضرب منذ البداية التفاهم الحكومي، كذلك سيصيب علاقة رئيسَي الجمهورية والحكومة بأضرار تعيد ملامح المشهد الذي سبق انتخاب عون.
 
ويطرح كلام رئيس الجمهورية على طاولة مجلس الوزراء في بعبدا عن تفضيله الفراغ على فرض الامر الواقع إجراء انتخابات على اساس قانون الستين، اكثر من علامة استفهام، حول نتائج خطوة عدم إمرار القرارات الممهّدة لإجراء الانتخابات النيابية، فهذا الكلام يعيد الذاكرة الى العام 1988، كما أنه من وجهة نظر رئيس مجلس النواب نبيه بري وتيار «المستقبل» والنائب وليد جنبلاط، مؤشر الى أنّ عون مصمّم على تغيير توازنات القوى التي حكمت المرحلة السابقة، والأخطر بالنسبة الى هؤلاء أن يذهب «حزب الله» الى دعم عون كما في كلّ مرة، حيث أثبت أنه لا يزال الحليف المدلَّل الذي من اجله يتمّ تعطيل الحكومات، كذلك من اجله يتمّ تعطيل الانتخابات الرئاسية.
 
الواضح أنه وبناءً على هذا الدلال المفرط، يستعد عون لمقارعة تيار «المستقبل» وجنبلاط وحليفهما بري، بنيّته فرض قانون انتخاب جديد، تحت ضغط الفراغ النيابي، وهو فراغ إن حصل سيكون الأخطر، لأنه سيمهّد الطريق الى البحث في «اتفاق الطائف».
ولا تخفي اوساط مطلعة خشيتها من ذهاب الامور الى الأسوأ في العلاقة بين عون والحريري، ليس فقط بسبب أزمة قانون الانتخاب، بل بسبب أداء رئيس الجمهورية الذي يكرّس عودة الى استعمال صلاحيات ولو غير مكتوبة في دستور الجمهورية الاولى، متخطّياً موقع رئاسة الحكومة، ومجلس الوزراء، وهو ما سيؤدّي عاجلاً ام آجلاً الى انفجار ازمة دستورية اذا ما استمرّ عون في الأداء نفسه.
 
لا تقتصر الازمة الصامتة في عقد جلسات الحكومة في قصر بعبدا من دون السراي الحكومي، على ما تقول الاوساط المطلعة، بل تمتد الى محاولة فرض قرارات داخل الحكومة، تحت سيف التعطيل. أما عن عرف تقاسم عقد الجلسات بين قصر بعبدا والسراي الحكومي كما كان معمولاً به في السابق، أو الاتفاق على مقرّ مستقلّ لمجلس الوزراء، فإنّ ذلك يبدو مستبعَداً بفعل رفض عون أن تعقد جلسات رئيس الحكومة إلّا في بعبدا، حيث لم تعقد الحكومة إلّا جلستين في السراي، بعد اتفاق مسبَق بين عون والحريري.
وتشير الاوساط الى أنّ أزمة قانون الانتخاب ليست سوى الواجهة للأزمة، ومع أنّ العقدة كبيرة في الاتفاق على القانون، فإنّ رئيس الجمهورية مصرٌ على الاتفاق على قانون يحدّد فيه شروطه، والكلام جار الآن حول «المختلط» الذي فيه كثير من التفاصيل التي تقلب نتيجة الانتخابات وتؤثر في الاوزان والاحجام.
 
أين يقف «حزب الله» من كلّ ما يجرى؟
 
تقول الاوساط إنّ الحزب يراقب ما يحصل في انتظار انتهاء المفاوضات الجارية حول القانون المختلط، وإنه في المبدأ أقرب الى عون، وتبعاً لذلك سيكرّر موقفه الداعم له كما فعل في كلّ محطات التعطيل السابقة الحكومية والرئاسية، ذلك طالما أنّ عون في «حالة إصطدام» مع تيار «المستقبل»، أما في حال انتقل «الصدام» الى الرئيس نبيه بري كونه المتضرّر الأول من الفراغ البرلماني، فإنّ الحزب سيكون جاهزاً للعب دور الاطفائي، خصوصاً في ما يتعلق بالصلاحيات في عقد الهيئة العامة (للتمديد) كذلك في التضارب حول مفهوم استمرار المجلس النيابي في حال انتهاء ولايته الدستورية من دون إجراء الانتخابات.
وتختم الاوساط نفسها بالاشارة الى أنّ بداية الخلاف بين عون والحريري بعد التسوية الرئاسية، تأتي نتيجة طبيعية لتوقعات سابقة بأنّ شهر العسل لن يدوم، فعون يريد أن يكرّس نفسه رئيساً يتجاوز الصلاحيات التي أُعطيت لرئيس الجمهورية في «إتفاق الطائف»، فيما لن يستطيع الحريري تقديم مزيد من التنازلات، فانتخاب عون كان بالنسبة اليه «التنازل الأكبر»، وتشكيل الحكومة كان الحلقة الثانية من التنازلات، وبمجرد التنازل في قانون الانتخاب يكون الحريري قد وضع نفسه في زاوية ضيّقة، ستؤثر في قدرته على تحقيق فوز واضح في الانتخابات النيابية، كذلك ستؤثر على ما تبقى من صورة التوازن المهتزّة اصلاً.