مع كلّ استحقاق انتخابي يتجدّد الحديث عن الأحلاف الانتخابية. وفي الوقت الذي كشف رئيس حزب «القوات اللبنانية» قبل فترة عن «الحلف الرباعي» الذي سيخوض هذه الإنتخابات، فقد تجاهل حلفاً رباعياً آخر يسعى الى قانون جديد للإنتخاب نصفه من الحلف الأول، وإن تحوّل خماسياً سيضمّ ثلاثة أطراف من الأول، وإن تحوّل سداسياً سيذوب فيه. فمَن يا ترى هو الأقوى؟
 
كما في كلّ الإستحقاقات النيابية تتسارع الخطوات الى بناء الأحلاف الإنتخابية.
 
فـ«الديمقراطية التوافقية» التي قادت الى كلّ التفاهمات الإنتخابية منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري كانت وما زالت تتحكم بمجريات عمليات الإنتخاب، خصوصاً في الدوائر المختلطة التي لا تسود فيها إما الآحادية السنّية أو الدرزية أو الثنائية الشيعية فتتقلّب المواقف وتتلاحق اللقاءات عشية كلّ إستحقاق انتخابي تحت شعارات عدة.
 
وإن كان الهدف من سلسلة التفاهمات التي حكمت الانتخابات النيابية في دورتَي الـ 2005 والـ 2009 قد أُنجز على خلفية إبعاد شبح الفتنة السنّية ـ الشيعية عن البلاد أيّاً كان الثمن فإنّ البحث جارٍ اليوم عن الأسباب الموجبة لمثل هذه الأحلاف الجديدة. وما يؤكد ذلك بروز الحلف الثلاثي الذي أنتجته «طاولة حوار» عين التينة قبل شهر ونصف تقريباً والذي ضمّ كلّاً من تيار «المستقبل» و«حزب الله» وحركة «أمل» والذي كلّف مهمة وضع قانون جديد للإنتخاب.
ومن هذه النقطة بالذات بدأت سلسلة الإجتماعات الثلاثية التي ضمت ممثلين عن اقطاب هذه الطاولة السنّية ـ الشيعية بعيداً من الأضواء ومن دون أيّ ضجيج الى أن علا صوت «التيار الوطني الحر» فانضمّ ممثلون له الى هذه التركيبة فتحوّلت رباعيةً تبحث في عدد من الصيغ الإنتخابية انطلاقاً من بعض المشاريع واقتراحات القوانين المطروحة في مجلس النواب وبعضها مِن صنع هذه الأطراف الأربعة.
 
وعليه، ولمّا لم يصل هذا الرباعي الجديد الى أيّ تفاهم على القانون العتيد باعتراف أكثر من طرف فيه، تحرّك الحزب التقدمي الإشتراكي ناسفاً كلّ التفاهمات السابقة بينه و«المستقبل» و«القوات اللبنانية» حول المشروع المشترَك لقانون الإنتخاب ما جعل البحث في أروقة «رباعي عين التينة» بلا فائدة، خصوصاً أنّ ثلاثي «التيار» و«الحركة» و«الحزب» لم يتمكّن من زحزحة موقف «المستقبل» من حجم النسبية الشاملة التي يتحدّث عنها الثنائي الشيعي.
 
ومردّ ذلك، حسب الوقائع ، أنّ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله دعا في أحد خطاباته الى الأخذ بهواجس «الإشتراكي» ما فتح الباب أمام الحراك الذي قاده جنبلاط فتهاوى أطراف الحلف تباعاً وسجّل كلّ من الرئيسَين نبيه بري وسعد الحريري تضامنهما معه، فسقطت كلّ المشاريع المطروحة حول النسبية للبحث سرّاً وعلناً.
وهو ما كشفه علناً وزير التربية مروان حمادة أوّل من أمس من السراي الحكومي بتأكيده وقوف الحريري الى جانب الحزب التقدمي الاشتراكي وأنه لن «يسير بأيّ قانون لا يرضي جنبلاط»، الامر الذي وضعه الى جانب بري وحزب الله معاً.
 
قبل أن تكتمل هذه الصورة كان رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع وبالتزامن مع سلسلة الضمانات التي قدّمها لجنبلاط على لسان عقيلته النائب ستريدا جعجع، يعلن من معراب عن «الحلف الرباعي» الذي سيخوض الإنتخابات المقبلة.
 
وهو يضمّ بالإضافة الى «القوات» كلّاً من «التيار الوطني الحر» و«المستقبل» و«الإشتراكي»، ما طرح جملة أسئلة عن مصير القانون الجديد وشكله ومضمونه إذا ما بقيت كلّ هذه الأحلاف على تناقضها قائمة على خلفية المصلحة الإنتخابية من دون توافق أطرافها على أيّ قانون موحَّد وجديد.
 
وعلى هامش هذا الحراك بات الهمسُ بتحوّل «حلف عين التينة» الرباعي الى خماسي بانضمام ممثل عن الحزب التقدمي الإشتراكي وهماً بعدما فشلت المساعي في الساعات الماضية في توسيع الحلف ليتحوّل خماسياً، كما بالنسبة الى إمكان إنضمام «القوات» اليه لاحقاً فيتحوّل سداسياً، لتكون النتيجة الحتمية لمثل هذا التطوّر ذوبانَ «حلف معراب» الإنتخابي الذي كشف عنه جعجع في الحلف السداسي المشار اليه، ما سيُنتج واقعاً جديداً لا يبدّل في الواقع المأزوم شيئاً ما لم يتمّ التفاهم على القانون الجديد للإنتخاب وهو أمر مستبعَد وفق المعطيات المتوافرة الى الآن.
 
وبناءً على ما تقدّم طرحت سلسلة من الأسئلة أوّلها يجري مقارنة بين الحلفين، ومَن منهما هو الأقوى، الأول الذي يسعى الى قانون جديد للإنتخاب، أم الثاني الذي سيطبقه إن تمّ التوصل اليه، وعندها لن يكون الجواب سهلاً.
 
فالثنائي المسيحي الذي يدّعي انه أنتج انتخاب رئيس الجمهورية لم يُظهر تفاهماً على قانون واحد للإنتخاب بدليل أنّ «القوات» تنادي بما لا يريده «التيار الوطني الحر» والعكس صحيح، فيما الدوائر السياسية تتحدّث عن إتفاقات سرّية واكبت اوراق التفاهم التي «فقّست» قبل انتخاب عون رئيساً للجمهورية.
أما السؤال الثاني فهو رهنٌ بنتائج المساعي الجارية لتوسيع «حلف عين التينة» ليجمع «الإشتراكي» أوّلاً، فتصبح القوات وحدها خارجه، ولكن إن ضمّ الإثنين معاً فهل يزول «حلف معراب»؟
 
وبعيداً من هذه المعادلات التي قد ترسو على القانون الجديد أو عدمه، فإنّ هناك مَن يعتقد أنّ «حلف معراب» غير قابل للتطبيق في كثير من الدوائر المختلطة ما لم يحظَ برضى وتعاون نصف حلف «عين التينة». فيا ترى كيف سيخوض الثنائي المسيحي الجديد الإنتخابات المقبلة؟ وعلى أيّ أسس؟