"تأكّد" اللبنانيّون في الأيّام القليلة الماضية أن الانتخابات النيابيّة ستجري وفقاً لـ"قانون الستّين" وفي موعدها الدستوري أي الربيع المقبل. وتأكّدوا أيضاً أن لا تمديد لولاية مجلس النواب الحالي مرّة ثالثة. واستندوا في تأكّدهم إلى مواقف عدّة أطلق أحدها رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون عندما أعلن وبجزم إصراره على إجراء الانتخابات أولاً ورفضه تمديد ولاية المجلس ثانياً. واستندوا أيضاً إلى موقف أطلقه رئيس حزب "القوات اللبنانية" الدكتور سمير جعجع قال فيه أن حزبه لن يمشي بقانون انتخاب يعارضه جنبلاط. ومعروف أن الأخير جهر منذ مدّة قصيرة بحقيقة موقفه وهو اعتماد "قانون الستّين" في الانتخاب هذه المرّة لأسباب تتعلّق بحرصه على أن يتمثّل الدروز الذين يشكّل هو المرجعيّة الأولى لهم بنواب ينتخبونهم هم وليس أبناء الطوائف والمذاهب الأخرى. واستندوا ثالثاً إلى المواقف "المترجرجة" من قانون انتخاب يعتمد النسبية الكاملة أو مزيجاً منها ومن الأكثرية لعدد من التيّارات والأحزاب والشخصيّات السياسيّة. واستندوا أخيراً إلى تردّد الجميع حتى الآن أو على الأقل الأطراف الفاعلين في بتّ قانون الانتخاب الذي ينتظره اللبنانيّون، رغم وجود ثلاثة مشاريع قوانين يمكن أن يحظى أحدها بتوافق غالبيّة هؤلاء بعد إدخال بعض التعديلات عليه. وهي المشروع المُختلط لرئيس مجلس النواب نبيه برّي القائم على انتخاب 68 نائباً على أساس نسبي و60 نائباً على أساس أكثري. والمشروع المخُتلط ذو الدوائر الـ 13 الذي قدّمته حكومة الرئيس نجيب ميقاتي. والمشروع المشترك لـ"تيّار المستقبل" والحزب التقدمي الاشتراكي و"القوات اللبنانية". لكن التأكّد المذكور أعلاه فقد الكثير من قوّته في الأيام القليلة الماضية. إذ أوضح الرئيس عون "خطوطه الحمر"، وإن من دون أن يستعمل هذا التعبير، فكرّر تمسّكه النهائي برفض التمديد للمجلس ورفض شديد وجازم إجراء الانتخابات تطبيقاً لـ"قانون الستّين". كما أن الدكتور جعجع تبعه في الرفض النهائي لـ"الستّين" والتمديد.

ماذا حصل؟ هل حلّ "قبس من نور إلهي" في قلوب الأطراف السياسيّين الفاعلين وعقولهم جعلهم قريبين من الاتفاق على مشروع قانون يدفن "الستّين السيّئ الذكر"، ويُنهي بدعة التمديد؟ وهل تلويح أوساط قريبة من "التيّار الوطني الحر"، الذي أسّسه عون ولا يزال رئيسه الشرفي والفعلي في آن، برفضه التوقيع على مرسوم دعوة الناخبين إلى انتخابات "ستّينيّة"، وإن أدى ذلك إلى فراغ رسمي في السلطة الإشتراعيّة دليل على وجود بديل قانون حاضر عنده؟ وهل تكفي مصارحة برّي عدداً من الإعلاميّين والسياسيّين بأن عدم حصول الانتخابات، جرّاء امتناع رئيس الجمهوريّة عن توقيع مرسوم دعوة الناخبين وكل المراسيم الأخرى المحتاجة إلى توقيعه، لا يحدث فراغاً تشريعيّاً، ذلك أن مجلس النواب يستمر في عمله "بحكم استمرارية المرفق العام"؟
الحقيقة لا أحد يمتلك أجوبة نهائيّة وحاسمة عن الأسئلة المطروحة هذه وأخرى كثيرة غيرها. لكن مصدراً ديبلوماسياً غير لبناني، مطّلعاً بحكم متابعته الأوضاع في لبنان ومحيطه، يعزو العودة إلى التشدّد العلني والرسمي في رفض انتخابات على أساس "الستّين" إلى تسلّم الرئيس عون أخيراً مشروع قانون انتخاب يعتمد النسبيّة الكاملة ويبلغ عدد الدوائر الانتخابيّة فيه سبعاً. ويشير إلى أنه صار في "جاروره" وإلى أنه سيخرجه إلى العلن في وقت يحدِّده. واللافت أن أطرافاً مُهمّين فضلاً عن مرجعيّات أساسيّة لم يبدون عارفين بوجود هذا المشروع. علماً أنهم لن يشعروا بالتفاجؤ في حال وجوده. وهم يعتقدون أن استمرار "حزب الله" حليف "التيار الوطني الحر" في إصراره على النسبيّة الكاملة قد يكون مؤشّراً لهذا الأمر. كما أن عودة "القوّات" حليفة "التيّار" المذكور إلى التشدّد في موضوع "الستّين" قد تكون مؤشراً آخر. والرئيس برّي و"حركة أمل" التي يتزعّم مع النسبيّة الكاملة من زمان. ويظنّ الخبراء أن رئيس الحكومة و"تيّار المستقبل" سعد الحريري قد لا يغامر برفض المشروع الموجود حاليّاً في "جارور" الرئاسة لأنه لا يزال في بداية مسيرة ترتيب أوضاعه السياسيّة والانتخابيّة وغيرها. أمّا الزعيم الدرزي الأبرز وليد بك جنبلاط فهل يرضى به، وخصوصاً أن مُتابعين للعمل الجاري من أجل وضع قانون انتخاب يعالج هواجس الجميع يعتقدون أن صيغة "الدوائر السبع" لا بدّ أن تتضمّن تطميناً ما له؟
في أي حال الثقة بالمصدر الديبلوماسي الذي كانت أخباره أو معلوماته دقيقة دائماً هي التي حملت "الموقف هذا النهار" اليوم على معالجة موضوع "مشروع قانون الانتخاب" الموضوع في "الجارور الرئاسي". و"الصحّة والدقّة" على المحك الآن.
هل يفيد تذكير اللبنانيّين بالمجرى الذي سلكته "المفاوضات" الداخليّة حول قانون الانتخاب منذ سنوات وحتى الآن؟