بعد بداية السنة الجدية فتح رئيس الجمهورية ميشال عون باب استقبال هيئات نقابية ومجتمعية وشعبية وبلدية راغبة في تهنئته بالرئاسة والأعياد، وفي طرح مطالبها والتمنّي عليه المساعدة لتنفيذها. وربما يكون أراد من وراء ذلك طرح "أفكاره" وجعل تواصل قصر بعبدا مع شعبه مستمرا الأمر الذي قد يمكّنه من سد النقص في صلاحيّاته ريثما تُعزّز.
في أحد هذه الاستقبالات تحدّث وفد من كسروان، فردّ عون مركّزاً على أهمية مشروعات المنطقة ومتعهّداً مُتابعتها. ثم قال: "لقد أسّسنا الأحزاب التي تُنشئ كتلاً قويّة في مجلس النواب وتقوم بإنجازات فعليّة. فالنائب وحده (غير الحزبي) ليست لديه القدرة على التخطيط أو على فرض تخطيط معيّن. لذلك نشجّع الاقتراع للأحزاب وليس للأفراد، لأن هؤلاء قوّة ضائعة وغير فاعلة ضمن المجلس النيابي".
لماذا إثارة هذا الموضوع اليوم؟
ليس لإنكار حق رئيس الجمهورية في امتلاك آراء ومواقف، بل للإشارة إلى أن التعبير عنها رسمياً وعلانيّة يصبح موقفاً رسميّاً. ولذلك هناك ضرورة لأن ينسجم كلامه مع نظام الدولة ودستورها وقوانينها، وما قاله وبأسف واعتذار صادقين ليس كذلك. فالنظام اللبناني ليس حزبيّاً. ولا يحصر التعاطي السياسي في الأحزاب. وللأفراد الحق في الترشّح للعضوية النيابية. وأي موقف رسمي وعلني من موقع رسمي ومكان رسمي يعتبر انحيازاً ومخالفة. طبعاً النظام الحزبي أفضل من أي نظام آخر ولكن في دولة ديموقراطيّة موحّدة ولاء شعبها لها، والمحاسبة المتنوّعة والشاملة فيها منتظمة. لكن هل هذه هي طبيعة دولة لبنان اليوم؟ وهل الأحزاب اللبنانية اليوم، علماً أنها لم تتغيّر كثيراً عن أحزاب قبل الحرب، وطنيّة أم مذهبيّة وطائفيّة عند المسلمين والمسيحيين؟ وهل قام الذين تسلّموا السلطة بعد الحرب أيّام الوصاية وبعدها بأحزابهم وأفرادهم بتأسيس أحزاب عابرة للطوائف والمذاهب؟ ولماذا فشلت الأحزاب غير الطائفية (الشيوعيّة واليساريّة) في أيام عزّ الاتحاد السوفياتي أليس بسبب الطائفيّة؟ ولماذا فشلت الأحزاب العربية المُسمّاة مجازاً علمانيّة أليس لاستحالة الفصل بين العروبة والإسلام؟ ألا يمكن أن يعتبر اللبنانيون أن الحزبيّة الطائفية ترمي إلى الإمساك بالقرار المسيحي بواسطة حزبين مسيحّيّيْن قويّيَن معروفيْن؟ وألا يعني ذلك استعداداً للانتخابات النيابية المقبلة لإبعاد كل من ينافسهما على شارعهما عن مجلس النواب والعمل السياسي ولدفع البعض الى الانضمام اليهما؟ وتحديداً أكثر ألا يعني ذلك تصفية حساب بين "التيار الوطني الحر" مؤسساً ورئيساً وحزباً و"القوات اللبنانية" رئيساً وحزباً مع زعامة مسيحية زغرتاوية، كان الأول حليفاً لها في "الاستراتيجيا الوطنية والعربية" ولا يزال، وكان الثاني عدوّاً شرساً للاستراتيجيا نفسها؟
وإثارة هذا الموضوع اليوم ترمي أيضاً إلى لفت "شعوب" لبنان إلى أنّه اليوم في مرحلة إدارة أزمة داخليّة تلافياً لأن تطغى عليها الأزمة الإقليميّة بلهيبها منذ مدّة، وليس في مرحلة حلّها وبناء دولة "نهائيّة" كما قال "الطائف" والطوائف والمذاهب وقياداتهم. فالحل لن يأتي قبل الحل في سوريا والعراق على الأقل، لذلك فإن ما يجري حالياً هو إيهام الناس بأن العمل جار لتوحيد لبنان وبناء دولته النهائيّة. في حين أن ما يجري فعلاً هو الاتفاق على تقسيمه فعلياً بين السنة والشيعة والمسيحيّين في إطار دولة يقولون أنها واحدة. وقانون الانتخاب الذي يقول الجميع أنهم يعملون لانجازه كي تجري الانتخابات المقرّرة في الربيع المقبل، لا تبدو الآمال في التوصل إليه كبيرة حتى الآن. فقلوب الجميع أو" الغالبية مع قانون "الستين" وسيوفهم عليه" كما قال الرئيس نبيه برّي. والمشروعات، بدءاً من النسبية – الكاملة إلى المختلطة بين النسبية والأكثرية، تؤكد التصميم على تكريس التقسيم الواقعي وتدعيمه بإرادة شعبية في الانتخابات، وعلى إصرار كل طائفة ومذهب بزعاماتهم الحاليّة وغيرها على المحافظة على الحصة النيابية وعلى ان تكون لهم الكلمة الأولى في اختيار أعضائها.
والدليل الأخير على ذلك كلام "الحزب التقدمي الاشتراكي" عن أن 4 من نواب الدروز الـ 8 ينتخبهم غير الدروز. فهل صار مثل غيره مع "القانون الارثوذكسي"؟ وإذا كان كذلك، وهذا حقّه، لماذا لا يعمل مع الجهات المسيحية المؤمنة ضمناً ورسميّاً بالمشروع الارثوذكسي؟ وتالياً لماذا لا يجهرون كلّهم بضرورة العمل لصيغة جديدة للبلاد عمادها اللامركزّية (القريبة من الفيديرالية) رغم الجهر بالعكس؟