فمع الإعلان عن الجمهورية الثانية واللبنانيون موعودون من حكامهم بقانون انتخابات نيابية عصري وحديث يتلائم مع تطلعات الأجيال الناشئة لمستقبل واعد يحفظ أمنهم واستقرارهم وحياة كريمة ولو بالحدود الدنيا ويصون حقهم في المشاركة بصناعة القرارات المصيرية والتمتع بحرية التعبير عن الرأي
 

الكذب ملح الرجال وعيب..... هذه هي المقولة الأكثر مصداقا على الطبقة السياسية الفاسدة والحاكمة منذ إتفاقية الطائف نهاية ثمانينات القرن الماضي، فالاطراف السياسية الممسكة بمقاليد البلد على اختلاف تلاوينها من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار منسجمة تماما مع نفسها في إطلاق الوعود الكاذبة دون أن تلزم نفسها الإيفاء بأي تعهد من تعهداتها، حيث ارتسم في ظلها واقعا لبنانيا شاذا نشأت من خلاله أزمات ومشاكل آخذة في التراكم والتفاقم لدرجة بدت الحلول عصية لأي منها مع عدم وجود نوايا صادقة لدى المعنيين بالأمر. 
فمع الإعلان عن الجمهورية الثانية واللبنانيون موعودون من حكامهم بقانون انتخابات نيابية عصري وحديث يتلائم مع تطلعات الأجيال الناشئة لمستقبل واعد يحفظ أمنهم واستقرارهم وحياة كريمة ولو بالحدود الدنيا ويصون حقهم في المشاركة بصناعة القرارات المصيرية والتمتع بحرية التعبير عن الرأي. 
إلا أن هذا الوعد لا زال أملا بعيد المنال وحلما يترأى في الخيال أي أن اللبنانيين لا زالوا عالوعد يا كمون. 
ومع أن جهابذة السياسة في البلد فرضوا تمديدا لمجلس النواب لمرتين وعلى أربع سنوات بحجة وضع قانون انتخابي جديد وخلال هذه الفترة فإن كافة الأطراف السياسية كانت تتبارز أو بالأحرى تتسابق في ذم القانون القديم والمعروف بقانون الستين وتجتهد في المزايدة على بعضها أمام عامة الشعب بأنها تسعى إلى وضع قانون جديد تحت مسميات عديدة، مرة تسميه قانون النسبية ومرة القانون المختلط ومرة أخرى الاختلاف حول نسبة الاختلاط بين الاكثري والنسبي، إلا أنه حتى اليوم لم تتيسر ولادة هذا المخلوق العجيب ولم يتم إقرار أي قانون يرضي طموح اللبنانيين رغم أن الانتخابات النيابية المقبلة أصبحت على الأبواب بحيث أن إقرار مثل هذا القانون بات مستحيلا من الناحية التقنية لضيق الوقت ولتعذر التوافق على قانون يرضي طموح كافة الأطراف التي تتقاسم خيرات البلد وموارده المالية. 

إقرأ ايضًا: العالم الإسلامي بين إيران والسعودية
وفي كلام أخير منسوب إلى رئيس المجلس النيابي نبيه بري بدا فيه وكأنه ينعي أي فرصة قد تكون متاحة بعد لوضع قانون انتخاب جديد ويعلن في المقابل أن الانتخابات النيابية ستجري في موعدها المبدئي وفق القانون الساري حاليا والمعروف بقانون الستين معدلا، وبالتالي فإن المشهد السياسي العام يوحي بكافة تفاصيله إلى انسداد كل الآفاق أمام اي تغيير موعود في طبيعة المعادلات السياسية من خلال وضع قانون انتخابي جديد يعتمد معايير جديدة وفي مقدمتها النسبية من شأنه أن يفتح الأبواب أمام دم سياسي جديد ويتيح لكافة شرائح المجتمع اللبناني أن تتمثل في الندوة البرلمانية والمشاركة في الحياة العامة. 
وكلام الرئيس بري يعني من جملة ما يعنيه استسلام القوى والتيارات والأحزاب التي رفعت لواء الدعوة إلى وضع قانون انتخابي مغاير لقانون الستين للأمر الواقع. وقد شرعت في بناء حساباتها على اساس أن إرادة الفريق الآخر بكل تلاوينه السياسية والحزبية والطائفية والمذهبية قد سجلت انتصارا وصار لزاما على الأطراف الباحثة عن التغيير أن تتقبل قسرا هذا الأمر وهذا الواقع الذي فرض نفسه والناتج عن تلكوء واستهتار من هم في موقع القرار عن تحمل مسؤولياتهم واستخفافهم بالايفاء بالوعود التي قطعوها على أنفسهم. 

إقرأ أيضًا: الرئيس عون بين الرياض وطهران
والأنكى من كل ذلك فإن كافة مكونات الطبقة السياسية الحاكمة تحاول التنصل من مسؤولية الحؤول دون إقرار قانون جديد للانتخابات في مشهد سياسي يبدو معه أن الجميع محاصرون بالضلوع كليا او جزئيا في ارتكاب جرم معين موصوف. لذا فإن الأصوات تتعالى بالقول إني بريء من دم هذا الصديق في محاولة لغسل اليدين من وزر الحؤول دون وضع قانون إنتخابات متطور وعصري يؤمن أوسع تمثيل شعبي.