رغم الحديث عن مهلة معقولة تمتد ما بين ستة الى ثمانية أشهر ليكشف أيّ رئيس أميركي يدخل البيت الأبيض عن خياراته الكبرى، فإنّ بعض التوقعات يشير الى أنّ الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب مصمّمٌ ليكشف في أقل من أسبوعين عن الخطوط العريضة لتوجّهاته، موقفه من الوضع في الشرق الأوسط وتحديداً من الأزمة السورية. فما هي المعطيات التي تقود الى هذه المهلة الإستثنائية؟يعترف ديبلوماسيون لبنانيون يواكبون الإستعدادات لدخول الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب البيت الأبيض غداً الجمعة، بأنه لن يكون أمامه وقت كثير لتتبيّن الخطوط العريضة لسياسته الشرق أوسطية وتحديداً ممّا يجري في سوريا ودول الجوار. فالإستحقاقات الكبرى المطروحة على مؤتمر «أستانة 1» تفرض هذا الإستعجال برغبة اميركية وأخرى عبرت عنها العاصمة الروسية وعدد من الدول الراعية للمؤتمر.

ولذلك عليه أن يُحدّد مواقفه مما هو مطروح من مستجدات، بما فيها تلك المتصلة بعلاقاته مع القوى الدولية والإقليمية المتحكمة بالملف من جوانبه المختلفة، ولا سيما العسكرية منها طالما أنّ كلّ القوى المتورطة مباشرة او بواسطة القوى الداخلية في الأزمة السورية، لم تعلن انتهاء مهمة أيّ منها في المرحلة الراهنة في انتظار كلمة السر الأميركية الجديدة.
 
ويضيف الديبلوماسي الموجود في قلب إدارة ترامب أنه لم يسبق أن واجهت أيَّ رئيس اميركي يستعد لدخول البيت الأبيض حملةٌ شبيهة بتلك التي تواجه ترامب على اكثر من مستوى. ولأنّ معظمها مرتبط بخياراته الداخلية فإنّ ذلك لن يحول دون أن يُحدّد قريباً الخطوط العريضة للإستراتيجية التي سيعتمدها في المنطقة على وقع تداعيات سياسات سلفه الرئيس باراك اوباما التي تراجعت فيها مبادراته الى الحدود الدنيا.
 
فالجميع يدرك أنّ أوباما قد تردّد كثيراً، لا بل تنازل عن الكثير ممّا كان مطلوباً من إدارته لتغيير مجرى العمليات العسكرية في سوريا والتأثير فيها بشكل افعل.
وكلّ ذلك جرى على خلفية إصراره على إدارة الأزمة السورية من بعيد ومن المواقع الخلفية من دون أن يورّط فيها أيّ جندي اميركي مباشرة. ما خلا دور ومهمة الخبراء الموجودين في شمال سوريا حيث نواة القوة الكردية ومواقع مختلفة قريبة من الحدود التركية، من دون أن يكون له أيّ وجود في عمق الأراضي السورية.
 
وهو وضع يتناقض مع الدور الأميركي الذي تعهّد به ويمارسه أوباما في العراق عندما سمح بنشر وحداته الخاصة وفرق المستشارين العسكريين في مقار وزارة الدفاع العراقية وغرف عملياتها المركزية من بغداد الى كردستان عدا عن الدور المباشر التي تلعبه قواته الجوية في جوار كردستان أولاً ومن بعدها في سماء الموصل والمناطق المحيطة بها والتي تشكل خطوط إمداد «داعش» الى مناطق سيطرتها وفي المنطقة التي ألغيت فيها الحدود ما بين سوريا والعراق بمسافات تجاوزت 670 كيلومتراً على الأقل.
لا يقف الديبلوماسي اللبناني - الأميركي عند حدود التنظير في قراءته للتطورات في المنطقة لا بل راح بعيداً عندما كشف عن وجود فرق عمل أميركية وشخصيات من فريق عمل وإدارة الرئيس الجديد منذ بداية الشهر الجاري في اكثر من نقطة من نقاط التوتر في العالم ومنها في الشرق الأوسط. وهي مجموعات تستطلع أجواءها وتستقصي الوقائع لتبني عليها المعطيات الجديدة التي تتناسب وحاجة الإدارة الأميركية الجديدة الى إختصار المرحلة الإنتقالية بين الإدارتين والإسراع في إتخاذ القرارات الكبرى سعياً وراء تغيير سريع في أداء الإدارة الجديدة في المناطق الأكثر توتراً في العالم، والتي واكبها الشعب الأميركي في الفترة التي رافقت الإنتخابات الأخيرة وما انتهت اليه من تغييرات كبيرة في الرأي العام أدت الى عودة الجمهوريّين الى البيت الأبيض.
 
وفي التفاصيل قالت المعلومات إنّ الشخصيات الأميركية وفرق العمل التي واكبتها أمضت أسبوعين على الأقل في كلّ من بيروت وعمان والرياض والتقت خلالها مسؤولين غير حكوميّين من مختلف الأوساط السياسية والأكاديمية سعياً الى جمع المعطيات الجديدة والوقوف على آراء نخب من ابنائها. كما هدفت المهمة حسب المصدر عينه الى استطلاع أجواء المنطقة من خلال مجموعة من الأسئلة تشكّل بمجملها إحاطةً للأوضاع القائمة على كلّ المستويات العسكرية والأمنية والإقتصادية والإجتماعية.
وفي الوقت الذي أحاطت فيه الإدارة الأميركية الجديدة حركة موفديها الى المنطقة بسرّية تامة، كشفت المعلومات القليلة التي تسرّبت أنّ هذه البعثات سعت الى جَمع اقتراحات ومواقف تتصل بمصير الرئيس السوري بشار الاسد وتداعيات انتشار القوى الغريبة عن النسيج السوري في معسكرَي النظام والمعارضة وخريطة انتشارهما على مساحة سوريا وحجم المخاطر المترتّبة على دول الجوار وخريطة انتشار النازحين السوريين والمتغيّرات الديموغرافية التي طرأت على مساحة سوريا.
 
وبالإضافة الى عناوين الملف السوري، اهتمّ الموفدون الأميركيون بجَني قراءات حول الوضع في الجولان السوري المحتل وقلب إسرائيل تحت شعار إمكان إحياء الحوار الفلسطيني - الإسرائيلي تزامناً مع الحديث في الإدارة الراحلة عن حلّ الدولتين وكيفية التعاطي مع أزمة المستوطنات الإسرائيلية ومصير القدس في ضوء احتمال نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إليها، وما يمكن أن تتسبب به من انعكاسات على مصالح الأميركيين وبقية الأطراف.
 
والى أن تنجلي التطوّرات في المنطقة وما يمكن أن تحدثه الإدارة الأميركية من تغييرات في توجّهاتها في المنطقة ستبقى كلّ السيناريوهات واردة ولكن لفترة قصيرة، حيث من المتوقع أن تطلق الإدارة الأميركية الجديدة عناوين خطتها المقبلة في غضون اسبوعين في ما يعني الملف السوري تحديداً. لننتظر للتثبّت من صحّة هذه القراءة والتوقعات.