بقلق يتزايد يوميّاً يُتابع الأميركيَون، ولا سيّما المُتعاطون الشأن العام منهم، انتشار التشوّش والفوضى وهم على بُعد أيام من تسلّم رئيسهم المنتخب دونالد ترامب الرئاسة بعد إدائه القسم الدستوري في حفل تنصيبه. وأسباب ذلك كثيرة منها أنه قدّم الكثير من الوعود لهم التي لا يبدو أنه سيكون قادراً على الوفاء بها قريباً أو على الأقل بعدد منها. ومن شأن ذلك إغضاب قاعدته الشعبيّة. ومنها أيضاً هجومه على مجتمع الاستخبارات الذي يضم 17 وكالة كما على مجتمع "الأمن الوطني" ولكن لأسباب شخصيّة في معظمها. فهو يعتقد أن قبوله أو بالأحرى تسليمه بأن روسيا قرصنت اللجنة الوطنية للحزب الديموقراطي ينزع شرعيّة انتخابه رئيساً أو على الأقل يجعلها موضع شك. والتعرّض للمجتمع الأمني – الاستخباري في أميركا يهدّد أمنها الوطني على نحو خطير وكبير. علماً أن الهجوم عليه يعني أن على المهاجم، وهو هنا الرئيس ترامب، أن يستعد جيّداً لمواجهة غالبيّة أعضاء الكونغرس بمجلسَيْه ومن الحزبَيْن الجمهوري والديموقراطي. فهل من مصلحته الهجوم عليهم؟ والاّ تؤثر مماشاته إيّاهم في مواقفهم المناقضة لمواقفه على قاعدته الشعبية؟ علماً أن السيناتور جون ماكين، وهو من حزبه، دعا لجنة القوّات المسلّحة في مجلس الشيوخ التي يترأسها إلى الاجتماع للبحث في "القرصنة الروسيّة" التي حصلت في ضوء تقارير الأجهزة الاستخبارية المتنوّعة التي تلقّاها الكونغرس. ويعني ذلك أن ترامب يسير مُسرعاً في اتجاه "المُشكل" مع حزبه أولاً ومع غالبيّة أعضاء المجلسَيْن. ولا أحد يعرف حتى الآن نهاية "التحقيق" الكونغرسي رغم أن الأدلّة على تورّط موسكو وربّما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في القرصنة قويّة إلى حد كبير. ومن أسباب قلق الأميركيّين ولا سيّما المُتعاطين منهم مع الشأن العام ثالثاً السياسة الخارجيّة التي أعلنها ترامب أو بالأحرى عناوينها، لأنه لم يتقدّم لناخبيه بل لشعبه بسياسات مكتملة أو خطط شاملة تتناول السياسة الخارجية أو السياسات الأخرى. وسيكون صعباً عليه إعادة تحديد علاقة بلاده مع بوتين. إذ أن ما وضعهما في حال خلاف مُستحكم احتلال روسيا بأوامر من الأخير شبه جزيرة القرم الأوكرانيّة، وتدخّلها عسكريّاً مباشرة وبالواسطة في شرق أوكرانيا مناصرة لأبنائها المِن أصل روسي، وتدخّلها أيضاً في سوريا و"تحالفها" مع إيران فيها وربما في الشرق الأوسط كلّه. طبعاً لا يعتقد الكثيرون أنه سيحاول رفع العقوبات عن روسيا بقرار آحادي بسبب موقف الكونغرس في بلاده وحلف شمال الأطلسي الذي تتزعّمه، إلّا إذا أظهر بوتين استعداداً للتراجع عما فعل أو عن بعضه. علماً أن هناك "مشكلة" تحالفه مع إيران. فترامب يبدو مصمّماً على ملاحقة إيران بسبب معاهدة (الاتفاق النووي) تتضمّن عيوباً كثيرة في رأيه، وكذلك بسبب سياستها العدائية أو العدوانيّة في الشرق الأوسط. ونجاحه في ذلك يقتضي تخلّي بوتين عنها (أي إيران). وهو لا يبدو مستعدّاً لذلك أو راغباً فيه. وإذا قرّر الرئيس الجديد الانسحاب من المعاهدة المذكورة فإنه سيخسر الأعضاء الآخرين في المجموعة الدولية 5 + 1 التي فاوضت الإيرانيّين ووقعت معهم ما سُمّي الاتفاق النووي. كما أنه سيطلق حرية طهران في معاودة نشاطاتها النوويّة. فضلاً عن أن أحداً لا يعرف ماذا ستفعل إسرائيل في هذه الحال، وخصوصاً إذا قرّر نقل السفارة الأميركيّة فيها من تل أبيب إلى القدس، دافعاً بذلك "البخار إلى رأس" قادتها وزعمائها وحكّامها الحاليّين المتطرّفين وفي مقدّمهم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. إذ قد يعتبر هؤلاء الانسحاب من "النووي" ونقل السفارة ضوءاً أخضر لإقدامها على الإغارة جواً على المنشآت النووية الإيرانيّة بغية تدميرها. علماً أن نقل السفارة سيعتبره العالم الإسلامي قضاء على حل الدولتين للصراع الفلسطيني – الاسرائيلي وصفعة مُوجعة جدّاً له. علماً أنه (ترامب) أدلى بمواقف عدّة خلال حملته اعتُبرت مُعادية للمسلمين. لكن "النقل" سيكون "القَشّة التي تقصم ظهر البعير" كما يُقال. وأخيراً هناك تركيا التي لا يعرف أحد ماذا يفعل معها ومع رئيسها رجب طيب أردوغان. فالمنطقة كلّها غير مستقرّة. أما على صعيد الداخل الأميركي فهناك مسألة تثبيت تعيينات ترامب لوزرائه وكبار مساعديه في الكونغرس. وذلك قد يأخذ وقتاً بالنسبة إلى عددٍ من هؤلاء وليس كلّهم. وربما يُرفض تثبيت أحدهم بسبب مواقفه العنصريّة المتشدّدة.