أميركا أوباما قامت بدورها في العراق خلال ولايتيه الرئاسيّتين. فهي من جهة أقامت تحالفاً عالميّاً لمكافحة الإرهاب ضم 65 دولة وخصوصاً بعد تأسيس داعش دولة الخلافة الإسلاميّة على قسم مهم من أراضيها وأراضي سوريا.
 

 ومن جهة أخرى تابعت تدريب الجيش العراقي والأجهزة الأمنيّة وزوّدتهم كلّهم ما يحتاجون إليه من خبرة وسلاح وذخائر. ومن جهة ثالثة غطّت بسلاح الجو الذي تمتلكه قوّات التحالف كل المعارك التي خاضها العراقيّون ولا يزالون للتخلّص من "داعش" ودولته. كما عزّزت قوّتها العسكريّة الصغيرة التي بقيت في العراق بوحدات عسكريّة للمساعدة في حماية المنشآت الأميركيّة ولدعم جيشه في معاركه من دون التدخّل مباشرة فيها. لكن هذا الدور لم يكن حاسماً أولاً لأن أوباما وإدارته وغالبيّة الشعب الأميركي رفضوا العودة العسكريّة الواسعة إلى بلاد الرافدين، كما التورّط العسكري المباشر والواسع في المنطقة كلّها. وثانياً لأن إيران لم تَقُم بما ظن أوباما أنها وعدت به بعد الاتفاق النووي الشهير، وهو التحاور مع واشنطن حول القضايا الإقليميّة الأكثر إشتعالاً ومنها الحرب في سوريا بهدف إعادة الهدوء والاستقرار إليها. وعلى العكس من ذلك فإنّها أعلنت غير مرّة وعلى لسان ولي الفقيه فيها أنها لن تحاور أميركا، وستستمر في تنفيذ مشروعها الإقليمي الذي يؤذي حليفتها الإستراتيجيّة الأولى إسرائيل، وحلفائها من الدول العربيّة المهمّة وفي مقدّمهم السعودية ومجلس التعاون الخليجي.

إقرأ أيضا : هل حدّدت إيران أي عراق تريد؟


لكن السؤال: هل من دور لأميركا في العراق؟ يبقى في محلّه. ويحاول تقديم جواب عنه باحثون عرب من بينهم عراقيّون يدرسون بجدّية تامّة انتخاب دونالد ترامب رئيساً لأميركا وأسبابه وتصريحاته ومواقفه من قضايا الداخل والخارج أثناء حملته الانتخابيّة وبعد حصوله على الرئاسة. وينطلق هؤلاء من اختياراته لمساعديه الأساسيّين من وزراء وغير وزراء ليعربوا عن اعتقادهم باحتمال توقّع تحوّل كبير في السياسة الأميركيّة. فاختيار تيلرسون رئيس شركة "إكسون موبيل" التي يقارب "احتياطها النفطي" نصف احتياط العراق يوحي باهتمام السيد الجديد للبيت الأبيض بقضايا الطاقة في المنطقة. وإذا كان ذلك صحيحاً فإنّه سيجد نفسه مُضطرّاً لإرساء الاستقرار في الشرق الأوسط تمهيداً للاستثمارات الجديدة التي لا غنى عنها. كما أنّه سيكون لزاماً عليه وضع رؤية لتسوية سياسيّة فيه تشمل القضيّة المُزمنة في الاستعصاء على الحل وهي الصراع الفلسطيني – (والعربي) الاسرائيلي، والقضايا التي فجّرها "الربيع العربي" وفجّر بواسطتها دولاً عدّة مثل سوريا واليمن وليبيا، كما القضايا التي كانت بدأتها أميركا مثل غزو العراق وتحريره من صدام ووقوعه جرّاء ذلك في حرب وفوضى وعدم استقرار واللّادولة منذ نحو 13 سنة. هذا فضلاً عن الطموحات الإيرانيّة الإسلاميّة التي كان لها ولا يزال لها في كل قضيّة دور سواء في التأسيس أو في التعزيز. علماً أن "الصقور" الذين رشّحهم ترامب لشغل مواقع مهمّة جدّاً في إدارته يشير إلى احتمال وجود رؤية جديدة للمنطقة (شرق آسيا والشرق الأوسط) مختلفة عن رؤية الرئيس الديموقراطي أوباما. وذلك لا يوحي باستمرار الصراع العسكري الحالي الدائر في الاقليم. لكنه يوحي باستمرار صراع المصالح حتى بين الحلفاء وخصوصاً في قطاع النفط ولا سيّما بعدما صارت إيران جاهزة أو مُنتظرة للتعاون مع الشركات الدوليّة وأهمّها الغربيّة سواء لتحديث بناها التحتيّة النفطية والغازيّة أو لاستكشاف حقول نفطيّة وغازيّة جديدة.
طبعاً لا يوافق باحثون آخرون على هذا التفاؤل المُطلق. فإيران بالنسبة إلى ترامب عدو تَجِب مواجهته وقلع أنيابه من دون الدخول في مواجهة عسكريّة مباشرة معه. وروسيا بالنسبة إليه شريك دولي محتمل. وروسيا وإيران على علاقة جيّدة صارت في رأي طهران ومريديها "تحالف وأكثر". ولا يمكن أن تهدأ المنطقة إذا بقيت معادلة التناقضات هذه قائمة. ولذلك لا بدّ من انتظار نجاح ترامب في إقناع شعبه بالتعاون مع بوتين أو في إقناع نفسه بأنه مُعادٍ لأميركا، كما لا بُدّ من انتظار معرفة الأجوبة الفعليّة عن الأسئلة الآتية: هل تترك روسيا إيران من أجل ترامب؟ أو هل تنجح في إقناعه بأهميّة إيران وجدوى التعاون معها؟ أو بتعاون الإثنين حيث يمكن مع البقاء بعيداً عن الدائرة الإيرانيّة؟ علماً أن إيران شعباً ودولة اعتبرت دائماً في السابق وحتى بعد نجاح الثورة الإسلاميّة فيها روسيا المجاورة لها عدوّاً. أو هل يتسبّب ترامب بصراع داخل بلاده يكون هو طرفاً فيه وقد يؤدّي إلى إطاحته؟