يشكل إقرار مجلس الوزراء في جلسته الأولى هذا العام مرسومي النفط، نقطة إنطلاق المُغامرة النفطية في لبنان علّنا ندخل نادي الدول الُمنتجة للنفط في السنين المقبلة. لكن المُشكلة تبقى في حجم الدين العام الذي يرتفع والذي لن تستطيع الثروة النفطية من لجمه حين يتمّ استخراجها.
 

٧ مليار دولار هو العجز المُقدّر في العام ٢٠١٧، إنه رقم ضخم يعكس أربعة عوامل:
(١) تآكل الماكينة الإقتصادية التي أصبحت تعجز عن تغطية الإنفاق العام والخاص؛
(٢) الهدر والفساد اللذين، كما يُظهره الرسم، يُسهمان بشكل ملحوظ في زيادة الدين العام؛
(٣) وصول استحقاقات دين عام بقيمة ٣.٩ مليار د.أ إلى نهايتها في العام ٢٠١٧؛
(٤) غياب السياسات الإقتصادية لاستيعاب التداعيات السياسية والأمنية التي عصفت بلبنان خلال السنوات الماضية.

هذا الواقع دفع الدين العام إلى تخطّي عتبة ٧٥ مليار دولار أميركي في تشرين الأول من العام ٢٠١٦. بالتالي، إذا ما إفترضنا أن نمو العام المقبل سيراوح بين ٢ و٣٪ كما تُشير تدفقات رؤوس الأموال، ومع عجز في العام ٢٠١٧ بقيمة ٧ مليار دولار أميركي، فإن الدين العام سيرتفع أقلّه ٥ مليار دولار أميركي ليفوق ٨٠ مليار دولار أميركي في نهاية العام ٢٠١٧.

العام ٢٠١٨ لن يكون أفضل بكثير من العام ٢٠١٧ مع استحقاقات دين عام بقيمة ٧.٣ مليار دولار أميركي. بالتالي، في ظل فرضية استمرار التقوقع الإقتصادي على حاله، فإن الدين العام سيزيد في العام ٢٠١٨ بقيمة ٦ مليار دولار أميركي أي سيتخطّى ٨٦ مليار دولار أميركي.

إقرأ أيضا : 400 مليار دولار قيمة الغاز والنفط في لبنان ، من سيحمي الثروة الوطنية؟

 

النفط والغاز سلكا طريقهما إلى الإستخراج. وبغض النظر عن العقبات والصعوبات التي ستعترض هذا الملف، تقنياً لا يُمكننا أن نستخرج النفط والغاز قبل ٨ سنوات أقلّه، أي بحلول العام ٢٠٢٥. 8 سنوات سيرتفع فيها الدين العام بوتيرة ٥ مليار دولار أميركي (كمعدّل وسطي)، أي بنهاية العام ٢٠٢٥ سنكون مع دين عام بحدود ١٢٠ مليار دولار أميركي (٢٤٠٪ من الناتج المحلّي الإجمالي). ما يعني أن مداخيل النفط والغاز ستذهب حتماً إلى سدّ الدين العام. ما يعني حرق الثروة النفطية والغازية.

أثبتت تجارب الدول المُنتجة للنفط التي اعتمدت شبه- أحادية الإنتاج النفطي في إقتصاداتها، أنها فشلت في انماء مُجتمعاتها. بالتالي، أصبح النفط مرتبطاً بشكل عضوي بالانماء، إذ إن كل دولار نفطي (أو غازي) يجب أن يذهب إلى الإنماء وليس إلى الإنفاق العام.

والآلية التي إقترحناها على هذا الصعيد تنصّ على إنشاء صندوق سيادي يتلقّى مداخيل النفط والغاز على أن يتمّ استثمار هذا الصندوق في استثمارات عالمية مُتنوّعة جغرافياً ومالياً على مثال الصندوق السيادي القطري. وتأتي عائدات الصندوق لتُستثمر في الماكينة الإقتصادية بهدف النمو الاقتصادي والإنماء الاجتماعي.

المُشكلة، أنّه لا يُمكننا الإنتظار حتى العام ٢٠٢٥ للقيام بهذا الأمر، لأن الدين العام سيصل إلى مُستويات يُصبح معها من شبه المستحيل الإستفادة من الثروة النفطية. بالتالي، يتوجب من الآن القيام بخطوات عملية للجم الدين العام.

هذه الاجراءات أو الخطوات تبدأ قبل كل شيء بخطّة إقتصادية للتأسيس لإقتصاد متطوّر بغض النظر عن الثروة النفطية التي يمتلكها لبنان. هذا الإقتصاد المُتطوّر هو الوحيد القادر من خلال النمو الاقتصادي المُستدام على إمتصاص الدين العام. وللقيام بهذا الأمر يتوجبّ على الحكومة القيام بعملية مسح شاملة لكل القطاعات الإنتاجية كي تشمل مكامن القوة والضعف والحاجات المالية والبشرية. ويتوجب على هذا المسح أن يشمل دراسة البنى التحتية والفوقية بهدف توجيه الإستثمارات المُستقبلية.

هذه الخطّة يتمّ وضع أسسها باستخدام منهجية البنك الدولي (Value Chain Analysis)، التي تضمن توافر عناصر القوة لإنجاح المشاريع بما يضمن الإنماء المناطقي المتوازن مع تحديد أولويات للقطاعات التي تُسبب خسارة لخزينة الدولة وللإقتصاد بشكل عام. بالتالي، يُمكن بعدها وضع خطّة اقتصادية على عشر سنوات على أن يتم تقييمها وتصويبها (إذا احتاج الأمر) كل عامين.

بعدها تقوم وزارة المال بترجمة هذه الخطّة إلى موازنة على فترة خمس سنوات على أن يتمّ إقرار هذه الموازنة كل عام في مجلس النواب بعد اجراء التعديلات اللازمة عليها من قبل الحكومة اللبنانية. ما يضمن احترام الدستور، وفي الوقت نفسه يسمح بالأخذ بالتطورات التي حصلت خلال العام السابق.

هذا الأمر في الظاهر صعب التحقيق نظراً للتاريخ التعطيلي للقوى السياسية التي تربط الإقتصاد بالسياسة. بالتالي، تؤدّي إلى منكافات تنتهي بالصرف على أساس القاعدة الإثني عشرية والتي ضاعفت الدين العام بين العامين ٢٠٠٥ و٢٠١٦.