يدفع نهاد المشنوق ثمن رفضه الإنقلاب على سعد الحريري. أشرف ريفي لا يزال غاضباً ولن ينسى أنّ زميله تركه وحيداً في محاولة الإنقلاب الفاشلة قبل عام تقريباً. 
في 2015 وقف سُنّة لبنان بين خيارين: الخروج على الدولة والقتال ضدّ حزب الله استكمالا للفراغ الرئاسي والنيابي والوزاري، أو تسوية واسعة تعيد الحريري إلى السرايا، وتحافظ على استقرار لبنان، تمهيدا لازدهار اقتصادي على أساس استخراج النفط، طرح المشنوق الخيارين، واستقرّ الرأي على الثاني. 
عاند ريفي وذهب في خيار المواجهة إلى النهاية. وخسر. خيار التسوية ذهب به المشنوق إلى النهاية أيضاً. وربح. التسوية لحظت بقاءه في وزارة الداخلية، ضابطاً لأمن لبنان واستقراره، وضامناً للانتخابات النيابية ونزاهتها، ورافعة سياسية وإدارية لسعد الحريري وتيّاره. 
ريفي الخاسر، مثل خاسرين آخرين، أخذ يتحوّل من "نجم" و"زعيم قيد الإعداد"، إلى حالة على تويتر. وهذا هو أساس إدمانه على مهاجمة المشنوق كلّما سنحت له الفرصة. هو يصوّب، انتقاماً، على "الخيار الآخر" الذي انتصر. 
من يذكر كيف استقال ريفي من حكومة تمام سلام في 20 شباط 2016 واتّهم المشنوق بـ"الغدر". ردّ عليه وزير الداخلية بعد 3 أيّام: "ألتزم بعدم الإنفصال عن قيادة التيار السياسي الذي أمثّله". 
خرج ريفي وحيداً، وذهب إلى طرابلس يعدّ العدّة لاستكمال الانقلاب. أتته الفرصة في الانتخابات البلدية. ظنّ حينها أنّ الجوّ العام في طرابلس والشمال "ميّال" إلى "زعيم جديد". في باله أنّ الحريري الغائب منذ سنوات، يتآكل رصيده مع كلّ مستوصف يقفل، ومع كلّ راتب يتأخّر، ومع كلّ موقف "تسووي" يتّخذه. 

 

إقرأ أيضًا: هنا لبنان: القتلُ مسموحٌ... والأغنياتُ مَمْنوعة
ولأنّه عرف أنّ الإنقلاب لن يكون كاملا من دون نظير بيروتيّ، كانت خسارته مبكّرة بانسحاب المشنوق. زميله السابق كان العقل السياسي الذي يتيح للانقلاب حظوظاً معقولة، وبغيابه بات ريفي حالة شعبوية فوضوية. أيضاً بيروت هي "روح" الشمال، كما أنّ الشمال خزّان بيروت الشعبي. 
أمام رفض المشنوق طعن سعد الحريري، أوحى الوزير المستقيل لمناصريه ولعدد كبير من الإعلاميين والناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي، أنّ السعودية باتت جاهزة لـ"تبنّيه" رسمياً، بديلا عن سعد الحريري. صدّق كثيرون. وقعوا في الفخّ. ونجا آخرون. 
بعد عودة الحريري، وانتخابه ميشال عون رئيساً، وتنظيمه هيكلية تيار المستقبل، وتشكيله حكومة "تسووية"، وبعد "إسكات ريفي" طوال شهرين بأوامر سعودية، بات واضحاً أنّ خيار التسوية انتصر. وهو الخيار الذي كان دائماً ينتصر بين أبناء المدن السنية. 
حين أٌوقِفَ مرافقه عمر البحر، خاف ريفي أن يلتفّ حبل سياسي "يشنق" حركته السياسية وحركة أنصاره، فسارع إلى مهاجمة المشنوق وإعلاء الصوت علّه ينجو من ضربة سياسية قاضية تقترب في الانتخابات النيابية. 
ولأنّ ريفي تضرّر شعبياً حين زعم أنّ "الحريري انتهى"، ولأنّه يخجل من مهاجمة قوى الأمن الداخلي، حيث أمضى نصف قرن، ولأنّه يريد "معركة مُربِحة"، استسهل مهاجمة المشنوق. وهو يعلم أنّه يظلم وزير الداخلية. كلّ ما فعله الرجل أنّه رفض طعن آل الحريري. فابن البيت البيروتيّ العريق لا يحتاج إلى "حيثية" تأتيه بالانقلاب كتلك التي يحتاجها في الخدمة العسكرية ينتظر خروجه ليبدأ رحلة العمل السياسي. عمّ المشنوق كان وزير داخلية، وهو قضى حياته إلى جانب أبرز من رسموا تاريخ بيروت، من تقي الدين الصلح إلى أبو عمار ثم رفيق الحريري. 

إقرأ أيضًا: هجوم حزب الله على شعبة المعلومات: ردّاً على توقيف كامل أمهز؟
ريفي يعرف أنّه يظلم المشنوق. فحين دخل وزير العدل السابق حكومة سلام في 2014، ألم يكن حزب الله يقاتل في سوريا دفاعاً عن الأسد؟ كيف إذاً جلس معه على طاولة واحدة في مجلس الوزراء؟ ولماذا يعيب على الحريري والمشنوق الجلوس على الطاولة نفسها؟
لا يُلامُ ريفي في غضبه. لكن عليه أن يتعلّم. في السياسة "الشعبوية" مربحة مرّة، وعلى المدى القصير، لكنّ الزعامة تحتاج إلى عقل بارد، وإلى قدرة على التسوية وليس فقط على المواجهة. 
لا يُلام ريفي. لكن تبيّن أنّ الجوّ السني في لبنان يفضّل التسوية. وربما لا يزال الوقت متاحاً ليعتذر عمّا فعل. فقلب الرئيس الحريري كبير. والوزير المشنوق يسامح.