﴿ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا﴾ ‎[ سورة البقرة: 231 ]
 

نلاحظ بوضوح حجم المعاناة التي تشكو منها المئات من نسائنا اللواتي تحتجن الى حلّ لمشاكلهنّ العالقة منذ سنين مع أزواج لم يستطعن تكملة العيش معهم لسوء في أخلاقهم ، 
أو لأمراض ورثوها عن المجتمع البائد وتمسّكوا بها فأرادوا المرأة مجرّد أمة أو حاجة يحرّكها الزّوج كيف يشاء ، أو لبخل يمنعه من بذل الحقوق الماديّة الضّرورية ، أو لإهمال لحاجاتها العاطفية والنفسيّة وغيرها حيث لسنا بصدد تعداد الأسباب التي تدفع الزّوجة طلب الطّلاق .
الاّ أنّ السلطان المعظّم صاحب الكلمة الفصل لا يكترث لكلّ الدّعوات والنداءات والتّمنيات عليه من أجل الإستجابة لرغبتها وحاجتها لتكمل مسيرة الحياة .
ولا تجد الزّوجة المقهورة  في محاكمنا الشرعيّة الشيعية ، وخصوصا في لبنان السّند ومَن يعينها على أعظم نكبة قد تصيب إنسانا على الإطلاق لو دقّقنا في عظمة الجرم المُرتكب بحقّها وحرمانها من ممارسة حياتها وخصوصا عند تفاقمها والإنفصال التّام بين الأزواج وتبقى هي رهينة الجشع والطّمع .
الا أنه لا بدّ من التّصريح بداية بأنّ الإسلام لا يشجّع على الطلاق باعتباره أبغض الحلال عند الله وذلك حفاظا على الأسرة التي تحتاج لنجاحها الى ركنيها الزّوج  والزّوجة وأيضا من أجل حماية ثمرة زواجهما وفلذات كبديهما الأبناء الذين تأبى الحياة عيشهم خارج الحضن الطبيعي ، وفي أجواء الإلفة والمحبة بين الأزواج .
فقوله صلى الله عليه وعلى آله بما مضمونه أنه على الزّوج إعلام زوجته في كلّ يوم بمحبّته لها بالإضافة الى اخبار أخرى تعتبر المرأة ريحانة ... وبالمقابل على الزّوجة تأمين ما يلزم من سكينة لشريكها وأن تحفظ ماله وعرضه وتكون منه بمنزلة النّفس يؤذيها ما يؤذيه ويؤلمها ما يؤلمه ، ولا ننسى أنها قد تكون أحيانا هي السبب في الشّقاق المسبّب للفراق ، (نتحدّث عنه في حينه )  ...
ولكن نجد رغم كلّ ذلك أن بعض الأزواج يعمدون الى التّنكيل بالزّوجة ، لسبب أو من دون سبب ، بعنف وفجور أو بكلّ هدوء ورويّة ، مع التّفنّن في وسائل التّعذيب النفسي والروحي بكلّ ما للكلمة من معنى ...
فهو اي الزّوج يبالغ في عقاب الزوجة  لو ظن أنها قصّرت ، أو أوحت له غريزته الذكوريّة ذلك ، أو دسّ له العُرف بمنعها من حقوقها الإنسانية تحت شعار أنه صاحب الأمر والنّهي ولو في خصوصياتها التي لا تتنافى مع فحوى عقدهما المقدّس والتزامهما الملزم لكليهما على حد سواء...

إقرأ أيضاً: زواج القاصرين والقاصرات

 


كمنعها من خروج مباح أو مستحب وكفرضه عليها مطالب خاصة كالعمل خارج المنزل أو فيه ، اضافة الى ما الزمتها الأعراف  ، والا فالعقاب .
فهو تارة يحرمها عن عمد من حقوقها الروحيّة والمادّية وغيرها ، وطورا بالخروج على مفاهيم القرآن الكريم الذي حثّ على عدم الزّواج  والتّعفُف فيما لو لم يجد المقبل على الحياة ما يعينه حتى يغنيه الله من فضله والدّعوة  الى الإمتناع عن الزّواج الثاني المشروع بالأصل لو خاف الزّوج عدم العدالة أو التّقصير .
ولكن مع كلّ ذلك نجد في مجتمعنا مَن يبحث عن الأمان والسّكن خارج حضنه الزّوجي المكرّم من الله والمجتمع والعقل البشري الجّبّار على حساب الكائن المستضعف زورا وخارج حدود الله سبحانه 
رغم الإجماع على إمكانية النّجاح في حفظ هذا البناء الأقدس في الإسلام كما ورد في الخبر أنه ما بني بناء في الإسلام أفضل عند الله من التّزويج .
وليس سجنا أبديا لزوجين بالإسم وفي الواقع كل منهما يسكن مع الحزن ويرافق أمنية بالفراق والرغبة بالخلاص من الآخر 
الاّ الرجل الذي بإمكانه الفرار بإرادته لو شاء على حساب اسرته ليلجأ الى حضن آخر أو التّمتع بتعذيب شريكته وعدم إعطائها فرصة الخلاص ومعه المحاكم الشّرعية وحكّام الشّرع بما يمثّلون من سلطة يمكنها أعطاء المندوحة لمن قست عليها العادات والتقاليد القاسية والظالمة في كثير من الأحيان الا وهي المرأة التي حُرِمت من حقها الذي وهبتها إياه الشريعة السمحاء ، حيث يحق لها المطالبة بالطلاق .
‎ إذا امتنع زوجها من أداء حقوقها الزوجية وامتنع من طلاقها أيضاً بعد إلزام الحاكم الشرعي إيّاه بأحد الأمرين فيطلّقها الحاكم عندئذٍ..
‎والحالات التي يشملها الحكم المذكور هي :
‎١- ما إذا امتنع من الإنفاق عليها ، ومن الطلاق ، ويلحق بها ما كان غير قادر على الانفاق عليها ، وامتنع مع ذلك من طلاقها .
‎٢- ما إذا كان يؤذيها ، ويظلمها ، ولايعاشرها بالمعروف ، كما أمر الله تعالى به .
‎٣- ما إذا هجرها تماماً فصارت كالمعلّقة ، لا هي ذات زوج  ولا هي خليّة .
ورغم هذا الحقّ الذي منحته الشريعة لمن تشعر بالظّلم فيما لو تحقّقت عليها وضدّها الشروط المذكورة أعلاه إلا أنها تجد نفسها أسيرة (زوج الورق ) اي مَن لا تستطيع اللجوء اليه نفسيا ولا عاطفيا ولا حتى ماديّا بل قد يستغلّ مالها وجهدها ويفرض عليها دفع ما لا طاقة لها به من مال لتنال حرّيتها وقد تكون على استعداد لذلك من أجل الخلاص ولكن للأسف معاملات هذا النّوع من الحلول تستلزم صرف الكثير من الوقت والجّهد وبذل ماء الوجه ، هذا لو انتهى الأمر الى خاتمته المرجوّة . 
اخيرا نقول أن تعطيل الأحكام أو تعقيدها وإغلاق الأبواب بوجه الطّرف الأضعف يجعلها عرضة للإستغلال والمتاجرة بها واستضعافها . 
نرجو جدا تفعيل المحاكم الشّرعية لهذا الباب الذي يشكّل حافزا لا للإنفصال كما يظن البعض ، بل لجعل معادلة بين الزوجين من أجل الإنصاف ، واعطاء الفرصة لكليهما كما هو العدل والمنطق ، أو للإنفصال ومعاودة التّدبر وجمع الشتات ، ولعلّ الله يحدث بعد ذلك أمرا .