مسحة التفاؤل التي غمرت اللبنانيين بدأت بوادرها بعد أن شهدت البلاد مرحلة إعادة بث الحياة الديمقراطية جزئيًا بعد التمديد المتكرر للمجلس النيابي.
 


في الأمس القريب وقف اللبنانيون في محطة الزمن يودعون عامًا ويستقبلون آخر بمسحة من التفاؤل ولكن مغمورة بالكثير من الشك والهواجس المتحكمة بالعقل اللبناني والمسيطرة على عقله، من إمكانية خرق جدار في الواقع السياسي الفاسد والخاضع لتسلط طبقة سياسية أحكمت السيطرة عليه فتقاسمت مقدرات البلد وخيراته وإيراداته بإسم المحاصصة الطائفية والمذهبية. 
مسحة التفاؤل نشأت بعد أن رأى اللبنانيون في القصر الجمهوري، والمهجور منذ أكثر من سنتين ونصف، رئيسًا تم انتخابه في 31 تشرين أول الماضي بعد التوافق المستحيل الذي توصل إليه معظم الأفرقاء اللبنانيين- وإن كان ذلك تم تحت تأثير الواقع الإقليمي المتقاطع مع عدم اعتراض دولي- والهادف إلى إضفاء مناخ من الشرعية على المؤسسات الدستورية بغية تحصين الساحة الداخلية وتثبيت أسس الاستقرار فيه بوجه أي خلل أمني قد تحمله أي شرارة من النار المشتعلة من حوله وإغلاق أي ثغرة يمكن أن تنفذ منها الجماعات الإرهابية لإرتكاب أعمال تخريبية تجر على البلد ويلات تعميق هوة النزاعات المذهبية والطائفية التي قد تشكل مدخلًا لحروب أهلية. 
مسحة التفاؤل التي غمرت اللبنانيين بدأت بوادرها بعد أن شهدت البلاد مرحلة إعادة بث الحياة الديمقراطية جزئيًا بعد التمديد المتكرر للمجلس النيابي، فإزاء المطالبات الداخلية والضغط الدولي نظّم لبنان انتخابات المجالس البلدية والاختيارية على دفعات ومعها الانتخابات الفرعية في جزين حيث فاز المرشح أمل أبو زيد. وشهد الصيف هدوءًا نسبيًا رغم بعض التوترات الأمنية والسياسية، وشلل المجلس النيابي، ومقاطعة وزراء تكتل التغيير والإصلاح وحلفائه لجلسات مجلس الوزراء، وتعليق الرئيس نبيه بري لجلسات الحوار الوطني في الخامس من أيلول الماضي بعد انسحاب الوزير جبران باسيل منها، فيما التيار الوطني الحر هدد بالتصعيد وبالنزول إلى الشارع تحت عنوان الميثاقية واستعادة حقوق المسيحيين. 
وخلافًا لأي توقعات أو حسابات ودون سابق إنذار كانت المفاجأة الكبرى ومن العيار الثقيل بتبني رئيس تيار المستقبل سعد الحريري دعم ترشيح زعيم التيار الوطني الحر العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية. بعد الاتفاق الذي تم بين نادر الحريري وجبران باسيل، بحيث أزيلت كافة الأسباب والمبررات التي كانت تحول دون إنهاء الشغور الرئاسي. وأصبحت طريق بعبدا سالكة أمام العماد عون وتم انتخابه رئيسا للبلاد، ودبت الحياة من جديد في القصر الجمهوري. 

إقرأ أيضاً: حزب الله ضحية الاتفاق الروسي - التركي

 


ولم يطل الأمر كثيرا حتى تمّ تكليف الرئيس سعد الحريري بتشكيل الحكومة في 3 تشرين الثاني من العام الفائت بتأييد 112 نائبًا وامتناع نواب حزب الله عن تسميته. 
بدأت رحلة تأليف الحكومة التي شهدت تنافسًا طاحنًا على الحقائب الوزارية، إلى أن أبصرت الحكومة النور كعيدية الميلاد واعتبارها حكومة العهد الأولى ونالت الثقة في 28 كانون أول الفائت بغالبية 87 صوتًا كهدية رأس السنة الميلادية. 
هذه الإنجازات مع كل شوائبها إلا أنها كانت مبعث تفاؤل لدى اللبنانيين الذين كادوا يفقدون أي أمل بإمكانية عودة الحياة إلى مؤسسات الدولة، على أن التحدي الأكثر إثارة للجدل هو إجراء الانتخابات النيابية القادمة في موعدها بعد التوصل إلى الاتفاق على إقرار قانون لهذه الانتخابات. 
وإذا كانت السنة الماضية أعطت في ربعها الأخير جرعة أمل للبنانيين بإمكانية بث الروح في الحياة السياسية اللبنانية، واستعادة نسبة ولو ضئيلة من الممارسة الديمقراطية، إلا أن ما يطمح إليه اللبنانيون وما يأملونه من العهد الجديد الذي يتم تركيبه بكثير من الحذر هو أكثر من ذلك بكثير. 
فما يطلبه الشعب اللبناني من حكامه ليس فقط انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة وانتخاب مجلس نيابي. الشعب يأمل أن تكون السنة الجديدة مناسبة لانطلاق العهد الجديد بورشة إصلاح كبرى تطال كافة المؤسسات والدوائر والأجهزة التي توغلت كثيرًا في كواليس الفساد والاهتراء. 
اللبناني لا يعنيه الوزير لأي طائفة أو مذهب أو حزب ينتمي، بل يعنيه الوزير الذي يمتلك النزاهة والخبرة والكفاءة في وزارته لتسيير شؤون الناس في وزارته وتقديم الخدمات لهم. وكذلك فاللبناني يعنيه أن يعيش موفور الكرامة في ظل دولة تحفظ أمنه واستقراره وحريته، ويأمل من دولته أن تحفظ حقوقه كما يقوم بتقديم الواجبات المترتبة عليه. 
لكن يبدو ألّا أمل بانفراج اللبنانيين في سنتهم الجديدة، خصوصًا في ظل هذه الطبقة السياسية المتسلطة التي تمادت كثيرًا في الفساد والتي تتوارث مقدرات البلد سنة عن سنة دون الاهتمام بالحد الأدنى من المقومات المعيشية والحياتية للمواطن.