لقد صار من المؤكد أن مستهل الاسبوع المقبل هو الموعد المبدئي لوصول رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى الرياض في أول زيارة خارجية له بعد توليه سدة الرئاسة الاولى في 31 تشرين الاول المنصرم وفق ما أبلغه إلى "النهار" وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية بيار رفول. 
وتأتي هذه الزيارة بعد الإشارات الإيجابية الأخيرة فيما يخص العلاقات بين المملكة ولبنان، وقد نجح رئيس الجمهورية في اختيار الوجهة الأولى لزياراته الخارجية نظرا لما تمثله المملكة العربية السعودية للبنان وشعب لبنان.
والرئيس عون بزيارته تلك فهو يردّ الجميل الكبير للمملكة التي قدمت وفق قراءة كثيرين تنازلا لا يستهان بحجمه لحظة أعطت الضوء الاخضر للمحسوبين عليها سياسيا باسقاط "الفيتو" عن انتخابه رئيساً وساعة حرصت على أن يكون موفدوها أول المهنئين حتى قبيل جلسة انتخابه.

 

إقرأ أيضًا: هل ينجح رئيس الجمهورية في تحرير الهبة السعودية للجيش ؟
وليس خافيًا أن الرياض لعبت دورًا محوريًا في التسوية التي أفضت إلى التوافق على العماد عون لرئاسة الجمهورية، وهي التي كانت وضعت عليه "فيتو" طوال سنتين ونصف السنة، وحالت دون وصوله إلى قصر بعبدا منذ اليوم الأول لخلو سدّة رئاسة الجمهورية، وذلك لأسباب منها ما بات معروفًا ومنها ما لا يزال غامضًا ولم يكشف عنه بعد، فضلًا عما تسّببت به بعض المواقف من قطيعة سعودية للبنان، كانت من بين أهمّ نتائجها تجميد هبة الثلاثة مليارات التي كان الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز قرر من خلالها مساعدة المؤسسات العسكرية على تعزيز قدراتها وتجهيز نفسها، عددًا وعدّة، لمواجهة الإرهاب وبسط الإستقرار في الداخل.
وليس سرًّا ما أدّت إليه هذه القطيعة من إنعكاسات على الوضع الإقتصادي، وعلى مصالح الآف اللبنانيين الموجودين في المملكة، والذين يشكّلون الدعامة الأساسية للنمو الإقتصادي وللإستقرار النقدي.
فللسعودية مكانة خاصّة بالنسبة إلى اللبنانيين، بعيدًا عن المحاور الإقليمية، التي يحاول لبنان السير بين نقاطها بكثير من الحكمة والدراية، إذ لا مصلحة له بمعاداة أي محور من هذه المحاور، وهذا ما يمكن تفسيره لفلسفة سياسة النأي بالنفس، وللدور المحوري الواجب أن يلعبه هذا البلد الصغير من خلال علاقاته الجيدة مع جميع الدول، شقيقة وصديقة، وهو قادر على أن 
يكون وسيطًا في عملية تقريب وجهات النظر، بقدر ما تسمح له ظروفه ومعطياته.

إقرأ أيضًا: الشمس تشرق من جديد على لبنان
ولأن للملكة هذه المكانة الخاصة كان القرار الرئاسي بأن تكون البداية منها، مع ما يعوله لبنان من هذه الزيارة من أهمية بالغة على طبيعة العلاقة التي تربطه بالمملكة، ملكًا وحكومة وشعبًا، وما يمكن أن تسفر عنها من نتائج إيجابية، أقله على صعيد عودة هذه العلاقات إلى سابق عهدها، مع ما تعنيه من مصالح مشتركة، من دون التوغّل كثيرًا في التفاؤل، الذي يترافق عادة مع أي خطوة يتمّ الإقدام عليها، وبالأخصّ في ما يتعلق بمصير الهبة المجمدّة، والتي تحتاج إلى متابعة تقنية وحثيثة، بين الديبلوماسيتين اللبنانية والسعودية، وإزالة الأسباب التي أدّت إلى تجميدها، فضلًا عن إعادة الثقة إلى العلاقات الثنائية من مختلف جوانبها.
البداية يمكن وصفها بـ"الجيدة"، ويمكن بالتالي التأسيس عليها للإنطلاق في مشروع ترميم علاقات لبنان بأشقائه العرب، خصوصًا أن الرئيس عون في اختيار الرياض كمحطة اولى لزياراته الخارجية، يدرك جيدًا أن خطوته هذه فيها من الجرأة بما يكفي للإيحاء للأصدقاء قبل الخصوم أنه سيد قراراته، مع حرصه الدائم على التنسيق مع قيادة "حزب الله" وتأكيده على استمرار علاقة بعبدا بحارة حريك تمامًا كما كانت بينها وبين الرابية، يوم كان رئيسًا لتكتل "التغيير والإصلاح"، مع فارق أن عون هو اليوم رئيس لجميع اللبنانيين.
وبـ"ضربة المعلم" هذه أراد عون أن يوجه أكثر من رسالة الى جميع من يعنيهم الامر، ومفادها أنه بدأ يستعيد، ومن الزاوية الصعبة، وبشكل أو بآخر "الدور التاريخي" للرئاسة في لبنان، التي يعتبر أن قرارها كان مسلوبًا ومصادرًا ومشتتًا.