لم يكن عاما إعتياديا على الجمهورية التركية التي سجلت وقوع أكثر من 70 هجوم إرهابي داخلها وسقوط أكثر من 400 قتيل بحسب ما أفادت وكالة الصحافة الفرنسية ( أ.ف.ب.)
 

ولو لاحظنا معدل الهجمات الإرهابية داخل جمهورية أتاتورك نراها بإزدياد مستمر وتحولت إلى عامل يومي في حياة المواطن التركي الذي نعم بالأمان والبحبوحة لسنوات عدة قبل الأزمة السورية.
وأسباب ما يحصل مرتبط بالدرجة الأولى بعاملين مهمين ساهما في جعل الهجمات الإرهابية تشكل هاجسا وأولوية على أجندة الحكومة التركية والرئيس رجب طيب أردوغان.

 

الجيش التركي خارج الحدود:

أولى هذه العوامل هو  التغيير الذي طرأ على السياسة الخارجية لتركيا والإيديولوجية الجديدة التي تبنتها الحكومة.
فبعد سياسة " تصفير المشاكل " مع قوى الخارج تغيرت سياسة تركيا فجأة لتصبح ذات دور أساسي ومحوري لعبته ومارسته على حساب غياب الدور العربي مقابل الدور الإيراني في المنطقة.
وقبل هذا ، أرسل أردوغان إشارات واضحة على أنه في وارد تغيير هذه السياسة الهادئة فكان الصدام مع إسرائيل وتبني القضية الفلسطينية التي من خلالها تحول أردوغان إلى عبد الناصر الثاني بنسخته التركية وهو ما يزال هكذا في أعين أغلبية العرب والمسلمين.
وبعد أن إندلعت الثورة السورية ، وجدت تركيا نفسها أمام أزمة تصدرت قضية اللاجئين فيها الأولوية فإستقبلت ما يقارب المليونين لاجىء وقدمت الدعم العسكري واللوجستي لفصائل المعارضة السورية.
وجد أردوغان نفسه في موقع لا بد أن يتماشى فيه مع  الغضب الشعبي العربي والإسلامي ضد نظام الرئيس بشار الأسد ،  فإحتل هذا الموقع وذهب باللعب سياسيا إلى أقصى الحدود،  حد القطيعة مع نظام بشار الأسد.
وسط هذه الأحداث الدراماتيكية ، سطع نجم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) وأعلنت الخلافة في الموصل، ما شكل تهديدا بارزا لصورة أردوغان في الوعي العربي والإسلامي.
فبعيدا عن ما يروج له من علاقة تربط داعش بتركيا وهو ما تحد به أردوغان روسيا أن تثبته بالدليل القاطع ولم تثبته حتى اليوم، بعيدا عن كل هذا الجو كانت داعش ومن أول أيام ولادتها تضع نصب أعينها  تركيا وشملتها في الخريطة المشهورة التي وزعتها على أنها دولة الخلافة في المستقبل.
واليوم إحصائيا ، تعتبر تركيا أكثر دولة تعرضت لهجمات داعش خارج مسرح عمليات الدولة الإسلامية الأساسية في سوريا والعراق.
فهاجس داعش لدى الأتراك كان في ما سيأتي من بعد الإطاحة بالتنظيم المتطرف وما هو مرتبط بالدولة الكردية المستقبلية.

الدولة الكردية الموعودة:

الدولة الكردية الموعودة كانت العامل الثاني التي جعلت أردوغان يتجه خارجا ويتخلى عن سياسة " تصفير المشاكل"  وخصوصا بعد الدعم الأميركي للأكراد وبعد أن لاحظ أردوغان جهود واشنطن في دفع الأكراد نحو تحرير مناطق داعش والسيطرة عليها.
وقد أعلن الأكراد الفيدرالية منذ عام تقريبا ويعملون حاليا على دستور البلاد والنشيد القومي لهم.
وفي ظل وجود نوايا دولية للقبول بدولة كردية فهذا يعني إقتطاع جزء من أراضي تركيا وسوريا والعراق وإيران وضمها للدولة الموعودة،  وهذا يضعف من الموقع الجيوسياسي لتركيا في الشرق الأوسط وأوروبا.
ومن أجل تعطيل هذا الهدف ، خاضت تركيا حربا على مستويين مع الأكراد ، الأول داخلي  مع حزب العمال الكردستاني (P.K.K ) خصوصا في الجانب الجنوبي الشرقي من تركيا والثاني خارجي وخصوصا في سوريا مع قوات سوريا الديمقراطية ( قسد )  والتي يشكل تنظيم وحدات حماية الشعب الكردية (Y.P.G ) عمادها الفقري، من خلال عملية درع الفرات حيث تواجه تركيا خطري داعش والأكراد وأيضا في العراق من خلال المعركة المفتوحة في الموصل على الرغم من العلاقة الهادئة التي تربطها مع أكراده.

إقرأ أيضا : إيران منزعجة وأميركا تراقب .... فهل يحرك أوباما الورقة الكردية للرد على الإتفاق الروسي التركي؟

 

أردوغان في أسوأ أيامه:

 وبسبب هذه الأخطار والتي يضاف إليها الإنقلاب الفاشل على أردوغان  ، يجد الرئيس التركي  نفسه أمام معركة خاضها قبله مؤسس تركيا الحديثة الجنرال مصطفى كمال أتاتورك وهي معركة الوجود لتركيا.
فالمعركة اليوم هي معركة الحفاظ على وحدة الجغرافيا التركية وتشكيل حزام أمني لهذه الوحدة في سوريا والعراق حتى لو إضطره الأمر أن يتحالف مع روسيا التي تم إغتيال سفيرها في أنقرة  والإبتعاد قليلا عن أميركا.
فهل سيسمح الناتو ومن خلفه أميركا بهذا الإبتعاد؟  وهل أردوغان نفسه مقتنع به؟ وماذا عن العلاقة السيئة مع أوروبا؟
 ستتغير النظرة عندما يستلم  الرئيس دونالد ترامب والذي بدت أولى تصريحاته مهادنة وودية إتجاه تركيا التي لا يمكنها الإبتعاد كثيرا والمغامرة بعلاقتها مع الناتو وأميركا.
لكن يبقى الهاجس الأمني موجودا حتى تتضح معالم التسوية الكبيرة في المنطقة والتي تبدو بعيدة نوعا ما، وإلى حينها سيعاني أردوغان وتعاني تركيا من خلفه جراء الأخطار المحدقة لسبب واحد وهو أن أعداؤه يعرفون نقطة ضعفه وهي الإقتصاد.
فثمن ولادة قوة إقليمة جديدة في الشرق الأوسط سيكون باهظا وهذا يدركه عرابو السياسة التركية.
أردوغان اليوم يدفع عدة فواتير مؤجلة الدفع، الأولى ثمن الحرب في المنطقة والثانية ثمن الإتفاق مع الروس والثالثة ثمن مواجهة حلفاء أميركا في سوريا والرابعة ثمن التفرد مع الروس بالإتفاق وإستثناء إيران والخامسة ثمن غياب الدور العربي البارز والسادس تبنيه لثورات الربيع العربي.
هل سيسترجع أثمان هذه الفواتير أما سيفوته القطار؟!
بإنتظار دونالد ترامب.