في تلك الليلة التي تحول فيها رأس السنة 2017 الى تاريخ لإحدى أبشع فظاعات السفاحين في اسطنبول كان لبنان على موعد ترهيبي آخر على ارضه.
 

 سقط ثلاثة شهداء لبنانيين في اسطنبول فيما كان الجيش اللبناني ينشر في الداخل اللبناني ألوف الجنود في استنفار أقصى بناء على معلومات موثقة بتوقيفات وتهديدات بعمليتين إرهابيتين كانتا معدتين للانطلاق من منطقة شمالية واُخرى جنوبية.

إقرأ أيضا : عائد.. فمتى تعودون ؟


مفاد السنة من رأسها ان التهديد الارهابي للبنان لا يزال متدحرجا وأن أولويته لا تعلوها أولوية طارئة او موروثة بتعاقب عهود او بتبديل سلطات. إن التهديد الارهابي للبنان اساسا بدأ يغدو ملازما لواقعه منذ رأس سنة مماثل في كانون الثاني 2000 في واقعة جرود الضنية الدامية. كانت تلك منطلق دخول هذه الآفة الى لبنان عقب عودة "مجاهدين" من حرب أفغانستان. لعبت الظروف الاقليمية دورها الكاسح في تبدل انماط الارهاب والارهابيين وبلغت حدود حرب شاملة في معركة مخيم نهر البارد ومن ثم بعد سنوات في واقعة اقتحام بلدة عرسال في آب 2014 وما تلاها من مواجهات شرسة وتفجيرات وتصيد خلايا ارهابية بلوغا الى واقعة اقتحام القاع في حزيران 2016. تطورت انماط المواجهات الاستباقية التي يخوضها الجيش والاجهزة الامنية الاخرى في قفزات نوعية مشهودة بات معها لبنان بالنسبة الى قدراته وواقعه يتقدم بقوة في مصاف الدول التي تقف عند مصير الحرب المفتوحة مع الارهاب. هذه الحقائق ما كانت في حاجة الى استعادة في اللحظة الحالية لولا خشية من استهانة مما قد يتربص بلبنان والظن بان الخطر يتراجع ، بل ان التزامن الحاصل بين سقوط شهداء وجرحى لبنانيين في مجزرة اسطنبول والتهديد الارهابي العائد في الداخل يملي بقاء الاصبع على الزناد خصوصا في ظل الدروس الامنية القاسية جدا التي تركتها مجزرة اسطنبول والتي تثير تساؤلات قلقة حيال احد الأنظمة الامنية الاقليمية الحديد التي تتعرض لاختراقات منهجية شرسة. والحال ان من حق اللبنانيين ان يعتبروا ان جيشهم وأجهزتهم حققوا إنجازات مشهودة في حقبات صراع سياسي مما اسقط العقدة التاريخية المتصلة بالخوف من انقسامات تنعكس على وحدانية الروح القتالية والاحترافية للمؤسسات العسكرية والامنية. في بلد يستضيف ما يفوق المليوني لاجئ سوري وفلسطيني وسواهم وبتركيبة طائفية شديدة الهشاشة يستحيل مقاربة ملف الامن فيه من دون إنذهال بقدرته على البقاء واقفا في مواجهة رياح اعتى التداعيات للحروب الاقليمية ووباء العصر الارهابي الدموي. عرف لبنان بتعاقب منهجي ما يماثل ويفوق واقعات باتاكلان الفرنسية وأورلندو الاميركية واسطنبول التركية وظل صامدا في المواجهة. هي حقيقة مشرفة ولكنها مثيرة للخوف ايضا لانها تستدعي التيقن بأننا في قلب العاصفة دوما وان السفاحين يغدون اشد شراسة امام هزيمة تأتيهم من حيث لا يتوقعون.