هل صدقت السلطات التركية حينما قالت ان منفّذ الاعتداء الإرهابي على ملهى رينا في اسطنبول هو شخص واحد؟ أوحت كل التصريحات والمشاهد ان رجلا مسلحاً استطاع لوحده ان يقتحم مربعاً ليلياً ويطلق النار على كل عدد الضحايا والمصابين وينجح في الهروب بعد التخفّي. أين حرَّاس الملهى الذين لا يقلّ عددهم عن عشرة كما قيل، يتخصّصون في حماية المدخل فقط؟ أين الحرَّاس الآخرين الذين تصل أعدادهم الى عشرين موزّعين في الداخل يتجوّلون للحؤول دون أي ممارسة سلوك خاطئ؟!
فلنفترض أنّ الإرهابي عبر الحواجز في الخارج في ليلة أمنيّة بإمتياز، وتخطّى كل رجال الأمن الرسمي والخاص، فكيف يستطيع وحده قتل أربعين شخصا وجرح ستين؟ علماً ان كل ضحية او جريح أصيب بثلاث رصاصات. يعني بالحسابات البسيطة ان الإرهابي اطلق 240 رصاصة بالحدّ الأدنى، اذا افترضنا ان كل طلقاته أصابت أهدافها. يقول هنا خبير عسكري ان ذلك يستوجب ان يستعمل الإرهابي ثمانية مخازن ويتطلب كل مخزن 15 ثانية لتغييره. فأين كان الحرّاس طيلة وقت إطلاق النار؟ ألم يستطع احد التدخل وإطلاق النار عليه؟ إستمرّ بعمليته نحو عشر دقائق ثم هرب.
لذلك يتوقع الخبير العسكري المرموق نفسه ان يكون ما حصل  "اكثر من عمل إرهابي ويجب ان يتوسع التحقيق"، انطلاقاً من قاعدة: لا بد للارهابي من مساعدة في داخل الملهى. "كيف تمكّن من حمل هذه المخازن والبندقية من دون أنْ يلاحظه احد؟ لا يمكن لإرهابي منفرد ان ينفذ هذا الهجوم على قلعة رينا".
هل تعلم السلطات التركية بما أبقته سراً؟ هل هناك تواطؤ ومؤازرة من رجال في الأمن التركي، كما حصل مع قاتل السفير الروسي أندريه كارلوف في أنقره؟
الاسئلة تتزاحم بحجم ما حصل. وحده المؤكّد ان تركيا لم تعد آمنة. هذه الاعتداءات تتكرر لتطال السياحة في اسطنبول. لم تعد تنفع التخفيضات المالية والعروض السياحيّة. الارهاب بدأ يلتهم تركيا التي غضت النظر وساهمت بتمدّده على الاراضي السوريّة. لم يعد يقنع اتهام سلطاتها جماعة "فتح الله" غولن بتنفيذ اعتداءات. فلا بدّ من الإشارة الى الجماعات الاسلامية المتشدّدة التي واكبت القتال في سوريا، وانتقلت بعد حلب للتفرغ الى "ساحات جهاد اخرى". صارت تركيا مساحة مباحة للمتشدّدين يستندون الى بيئة حاضنة نسبياً في بعض المناطق التركيّة.
خسرت أنقره الرهان على "إخوان مسلمين" يكسبون النفوذ في الدول العربيّة بعدما سقطوا في مصر وفشلوا في سوريا، وباتت تنافسهم وتهدّدهم "داعش" من سيناء الى غزه.
ان المراجعة المتواضعة التي يجريها الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ليست كافية. التشدّد تمدّد الى مؤسسات الدولة السياسيّة والأمنيّة. مهّدت لذلك سياسات الحكم بدءاً من التوقيفات وقمع الحريّات ومنع الانتقادات وترك الحركات الاسلاميّة المتطرّفة تسرح وتمرح لإسكات الآخرين. محاولة الانقلاب كانت نتيجة وليست سبباً. ليبقى السؤال: تركيا الى اين؟
قد لا تكون السياسة التصحيحيّة التي يعتمدها اردوغان كافية. قد يكون فات الآوان.