السيادة المتساوية والاحترام المتبادل بين بغداد وكردستان من شأنهما، مع قواعد محددة للّعبة وخطوط حمرٍ معيّنة، تهدئة خوف الأولى من تدخّل تركيا ودول سُنّية عدّة وفي الوقت نفسه تهدئة خوف الثانية من نشاطات الميليشيات الشيعيّة التي يمكن أن تُعطي أنقرة مبرّراً للتصّرف على نحو شاذ وغير مقبول في تلك المناطق
 

 هذا ما يقوله الباحثون في واشنطن أنفسهم، ويضيفون أن تشارك الإثنتين في وجه دولي واحد أمر مهم. والمعلومات المتوافرة عن هذا الموضوع تشير إلى أن الزعماء الأكراد والعراقيّين يأخذون في الاعتبار اعتماد سياسة خارجيّة مُنسّقة. وقد أخذ الأكراد فكرة عن طريقة عمل الكونفيديراليّة عندما رافق فؤاد حسين الموظّف الكبير في إربيل رئيس الحكومة حيدر العبادي إلى نيويورك، وعندما حضرا معاً اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة فيها. وقد يكون السبب الأكثر أهميّة لتعاون العراق وكردستان ما يوصف بـ"الفضاء الاقتصادي المشترك". ذلك أن لديهما مصالح اقتصاديّة مشتركة. فهما تستعملان العملة نفسها، والبُنية التحتيّة لنفطهما وغازهما متّصلة، كما أنّهما يعملان معاً مع أسواق إقليميّة ومحليّة. وذلك كلّه يطمئن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والمانحين والمُقرِضين في تعاملهم مع كردستان، وخصوصاً إذا كان حصولها على سلطات سياديّة تم باتفاق نتيجة مفاوضات جدّية وعميقة مع بغداد. فضلاً عن أن دعم الأخيرة سيادة كردستان المتساوية مع سيادتها أو دولتها المنفصلة عن العراق يُقلّل من احتمالات اعتراض أي دولة إقليميّة ولا سيّما إيران وتركيا. ذلك أن "المُخرِّب" لا بد أن يعُزل جرّاء القبول التام لكردستان عراقيّة سيّدة.
كيف تنظر كردستان إلى تركيا؟
هي تعتمد الآن كثيراً على أنقرة. ورغم أنها شريكٌ لا يُستغنى عنه، فإن الأكراد العراقيّين يجفلون ضمناً من أعمال حكومة رجب طيّب أردوغان، ومنها الحرب على الـ PKK أي حزب العمال الكردستاني التركي. ومنها أيضاً إقفال أنبوب تصدير نفطها مدة 23 يوماً في شباط 2016. ومنها ثالثاً الأعمال غير المنطقية للفرق العسكرية التركية في منطقة كردستان. ومنها رابعاً القصف المتصاعد داخل أراضيها. ومنها خامساً اعتقال برلمانيّي حزب الشعوب الديموقراطي الكردي وزعمائه في تركيا. والعبرة في الحديث عن كل ذلك، يقول الباحثون في واشنطن أنفسهم، أن التحالفات قد تكون ضروريّة. لكن "وضع كل البيض في سلّة واحدة" أمر غير حكيم. وهذا الأمر صحيح أيضاً بالنسبة إلى الادارة الأميركيّة الجديدة. أن السنوات المقبلة تبدو كأنها فرصة كبيرة للأكراد كي يجتذبوا اهتمام واشنطن ويكسبوا دعمها لاستقلالهم. لكن من غير المحتمل أن تكون الإدارة الجديدة فيها ذات خبرة ولا سيّما في ظل التشرذم الداخلي. ولذلك يبقى التحوُّط والانتباه ضرورياً كي لا تتكرّر الفصول الدراميّة السابقة من التاريخ الكردي عندما قاد الاعتماد المُبالغ فيه على شريك خارجي، ومنهم هنري كيسنجر عام 1975، إلى كوارث. ولذلك أيضاً يبقى التفاوض المباشر بين بغداد وكردستان على سيادة الثانية أفضل من استراتيجيّات غير مستقرّة تعتمد على القوى الأجنبيّة. والمحادثات الجارية حالياً بينهما في هذا الشأن هي بداية جيّدة. طبعاً لا يعني ذلك أن كردستان صارت الآن على "شفير" النجاح، لكنّها على الخط الصحيح، وهي تقترب من هدفها.
كيف يجب أن تتصرّف كردستان مع الإدارة الأميركيّة الجديدة وتركيا وإيران؟ عليها أن لا تُهمل فريق الرئيس الجديد ترامب، ذلك أنها تستطيع أن تقوّي موقفها في المفاوضات، بإثبات وجود دعم غير مسبوق لاستقلالها في البيت الأبيض ومجلسي الكونغرس. وعلى واشنطن أن تترك العراقيّين يقودون المحادثات وأن تكون صديقاً ووسيطاً شريفاً. وعليها أيضاً إبقاء الضغط على كردستان للاتفاق على حلٍّ لأزمة الرئاسة فيها ومجلسي النواب والحكومة. إذ من دون تفاهم داخلي تضعف كردستان موقفها مع بغداد.
أما الأكراد فإنهم يحتاجون إلى مزيد من الصبر على رغم العذابات التي مرّوا بها والانتظارات الطويلة. والتفاوض الفعلي مع بغداد هو العمل الأكثر قيمة الذي تستطيع القيادة الكردية القيام به حالياً على نحو صحيح. فزيارات الأكراد لبغداد المدعومة من أميركا وقوى دولية أخرى هي التي ساهمت في جلب منظّمات دولية مهمّة إلى كردستان. وهي التي تُصعِّب على إيران الوقوف في وجه الاستقلال الكردي. والطريق إليه يمرّ في بغداد لا في أنقرة ولا في البيت الأبيض لترامب.