إذا كانت إسرائيل بحكم اغتصابها لفلسطين وإعلان دولتها على أراضيها، دون أن تسمح للشعب الفلسطيني أن يقيم دولة له على جزء من أراضيه، تُعتبر عدوة العرب، فهناك عدو لهم لا يقل خطورة عن إسرائيل، وهو التخلّف الذي تعيشه الشعوب العربية بمختلف انتماءاتها الطائفية والمذهبية والسياسية والحزبية والقومية. 
تجلّت تداعيات التخلّف العربي بصراعات ثنائية، منها صراعات الشعوب وأنظمتها وصراعات إسلامية مسيحية وسنية شيعية وعربية فارسية وعربية كردية؛ منها ما يعرف بصراع المعتدلين ضد المتطرفين وصراع المتطرفين ضد الأكثر تطرفًا. 
كل صراع من هذه الصراعات الثنائية يقدّم أطروحته السياسية مبرّرًا وجوده ويستفيض في أسباب انطلاقته لإقناع الشعوب بأنه الأَولى من الصراع الكبير "الصراع العربي الإسرائيلي" ويقدّمه عليه، بل يعتبره أنه المقدمة أو الطريق لقتال العدو الصهيوني الغاصب، وصولًا إلى تحرير فلسطين بكامل ترابها ومقدساتها. 
والمنسوب الكبير الذي يختزنه المجتمع العربي من التخلّف وضع الشعوب العربية بكل أحلامها وآمالها في خانة أسوأ من الأنظمة بكل مساوئها وفسادها. وإلا لكانت هذه الأنظمة قد سقطت وتهاوت منذ زمن قريب أو بعيد. ذلك أن شعوب المنطقة ارتوت بثقافة الحروب والموت وليس بثقافة الحياة بسلام، وانهمكت بتفسير الدين واجتهدت واستنبطت الفتاوى التي تخدم مشاريعها التدميرية المتوحشة. دون أن يكون لبناء الإنسان والمجتمع والوطن أي مساحة في ثقافتها وفي مفاهيمها للحياة. 
وحال التخلّف العربي انعكس بشكل مباشر على دول المنطقة شعوبًا وأنظمة. وأنتج واقعًا مأساويًا على المنطقة العربية برمتها. 
فمصر تمّ ضربها باقتصادها الذي يتهاوى مع كل المساعدات والمسكنات، والعراق بتقسيمه مذهبيًا وقوميًا، وسوريا بحروبها المدمرة التي عمّت كافة أراضيها، واليمن السعيد، والذي لم يعُد سعيدًا بقبائله المتناحرة والمتقاتلة، وليبيا بتناحر قبائلها ومناطقها والفوضى المتنامية فيها، والسودان بفقره وتخلّفه، ودول الخليج بأسعار النفط المتدنية، ولبنان بتناقضات تعدديته؛ إذ أن الحرب الأهلية فيه انتهت رسميًا منذ ما يزيد عن الربع قرن إلا أنه لا زال يتخبّط بأحداث جانبية، بحيث أنه انتقل من التدمير بالمدفع إلى التدمير بالسياسة، لدرجة أن بعض الأطراف الحزبية استهوتهم لغة الحروب ولعبة السلاح فانضم إلى حروب خارج الحدود. على أن التخلّف العربي تجلّى بأبشع صوره وأكثرها إرهابًا وتوحشًا في السنوات القليلة الماضية مع بروز تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام داعش ودعوته إلى إقامة الخلافة الإسلامية مستخدمًا أسوأ الأساليب إرهابا وإجرامًا بالذبح والقتل والحرق والتدمير والتهجير والتفجير والاغتصاب والإبادة الجماعية والتكفير، بحيث تمّ تكليف هذه الجماعات المتفلّتة من أي موازين سماوية أو أرضية والمتفردة بشريعة هي أقرب إلى شريعة الغاب بأحداث هذا الزلزال المدوّي في سوريا والعراق. وبغض النظر عن الجهات الموكَّلة أو المكلَّفة، تبدو داعش ومتفرّعاتها ومثيلاتها حالة إسلاميّة لا حالة إرهابية رغم أنها تنافي كافة التعاليم الإسلامية وتتحدّى الإسلام الرسالي بكل معانيه السامية، وتعادي الديانات الأخرى وخصوصًا المسيحية، بل تعادي الإنسانية بكل أخلاقياتها الفاضلة. وبالتالي فإن الخطورة لا تكمن فقط في بروز هذه الظواهر المنافية للإنسانية وللأخلاق، بل في توالد الصراعات التي تعبّر عن عجز الإسلام النخبوي والتقليدي عن السيطرة على الرأي العام وإحداث خرق في المجتمع العربي بتقديم الصورة الناصعة للإسلام بمفاهيمه الواقعية وثقافته الحقيقية، واستبدلت مقاييس الديمقراطية والمعارضة والموالاة بمقاييس الكفر والإيمان والخير والشر، ولا يبدو في الأفق ما يشير إلى أن الحلول باتت قريبة أو أن المنطقة دخلت في عصر التسويات، بل على العكس من ذلك، فالمؤشرات توحي أن تمديد العنف يكمن في تأخير انتقاله إلى شبه الجزيرة العربية (السعودية ومعها دول الخليج) التي تظن متوهمة أنها قادرة على تجنب ما يحدث حولها أو ما أحدثته للآخرين؛ ما ينم عن المدى الذي بلغه التخلّف بحيث اجتاح عمق العقل العربي وفكره.