أشعل حديث رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي عن عمليات تزوير شابت الانتخابات النيابية لسنة 2014 التي حصل فيها ائتلاف دولة القانون بقيادة رئيس الحكومة السابق نوري المالكي على ما يقارب ثلث مقاعد مجلس النواب، تراشقا حادّا بين نواب محسوب كل منهم على أحد الرجلين اللذين ينتميان لحزب الدعوة الإسلامية، لكن الهوّة بينهما لا تفتأ تتّسع يوما بعد يوم منذرة بانقسام وشيك في الحزب.

ومنذ صعود العبادي إلى قيادة السلطة التنفيذية في العراق، لم ينفكّ سلفه نوري المالكي يمارس الضغوط عليه مستخدما نفوذه في الدولة وموقعه على رأس الأمانة العامة لحزب الدعوة وفي قيادة ائتلاف دولة القانون، كاشفا عن طموحات لاستعادة منصب رئيس الوزراء الذي يرى نفسه أجدر به من العبادي الأدنى مرتبة منه في الحزب.

ويقول مطّلعون على كواليس الأحزاب الشيعية في العراق إن نوري المالكي يراهن على ضعف خلفه حيدر العبادي وعلى عدم قدرته على منافسته في المرحلة المقبلة.

ذلك لأن العبادي وبالرغم مما يتمتع به من إسناد ودعم أميركيين لم يكن رجل توازنات طائفية، بقدر ما كان مشروعه في التسوية عنوانا لضعفه في مواجهة المزايدات الطائفية التي كانت ولا تزال تجري من حوله.

وقد فشل مشروعه في الإصلاح نتيجة عدم قدرته على استعمال صلاحياته التي عرقلتها الكتل النيابية التي لا تميل إليه، لأنه من وجهة نظرها مجرّد ممثل لحزب الدعوة في الحكم. وهو ما جعله يبدو كما لو أنه شخص ثانوي مقارنة بالمالكي زعيمه في الحزب ذاته.

لذلك ستكون من الصعب عليه إزاحته من طريقه إلا إذا ضمن دعما إيرانيا ثابتا يشجعه على التمرد على انتمائه إلى حزب الدعوة. وهو ما لم يحدث حتى اللحظة.

كلا الرجلين قد لا يمثلان الرهان المناسب لإيران لقيادة المرحلة القادمة في العراق وللحفاظ على حكم الأحزاب الشيعية هناك
غير أنّ المالكي قد لا يكون المرشح الأقوى للقيادة في المرحلة المقبلة، بل قد لا يكون واحدا من المرشحين، تبعا للإرادة الإيرانية التي تسعى إلى الحفاظ على نظام المحاصصة، عبر إعادة إنتاجه من الداخل، مع إجراء بعض التغييرات التي ستؤدي إلى إخفاء وجوه وإظهار أخرى.

وقد يكون المالكي واحدا من الشخصيات التي سيجري إلحاقها بالماضي، دون المساس به أو محاسبته على قضايا الفساد التي تلاحقه. فالمالكي وقد انخفضت شعبيته في المحافظات ذات الأغلبية الشيعية لن يستطيع تعويض خسارته من خلال اتفاقات يجريها مع كتل موالية لإيران بما في ذلك بعض الكتل السنية.

وبالنسبة إلى التحالف الوطني الحاكم فقد لا يكون الرجلان مرشحين مناسبين لقيادة المرحلة المقبلة.

وهو ما يعرفه المالكي جيدا، لذلك يفضل أن يصنع مبادراته بنفسه، من غير أن يضع تلك المبادرات في إطار البيت الشيعي. أما العبادي فلأنه رجل اللحظة الأخيرة، حين تم اختياره بديلا للمالكي في لحظة حرجة، فإنه قد يفضل العودة إلى قواعده في حزب الدعوة على أن يصطدم بزعيمه الذي يعرف مقدار عدوانيته.

ويحاول حيدر العبادي الاحتماء بعدد من كبار قادة حزب الدعوة وزعماء تيارات شيعية تشاركه العداء للمالكي على رأسها التيار الصدري بقيادة رجل الدين مقتدى الصدر الذي التقى العبادي مؤخّرا في أوج معركة إعلامية مع رئيس الوزراء السابق بسبب مظاهرات واجهت الأخير في جولة كان يقوم بها في عدد من محافظات جنوب العراق واُتهم الصدريون بالوقوف وراءها.

وتعكس الخلافات بين العبادي والمالكي، وأيضا بين الأخير والصدر حدّة التنافس داخل البيت السياسي الشيعي على المناصب السياسية والمكاسب المادية.

وردّ الشقّ المحسوب على نوري المالكي في دولة القانون، بغضب على ما أثاره العبادي بشأن تزوير الانتخابات، مطالبا إياه بتسليم الأدلة والوثائق المتعلقة بالتزوير، ومذكّرا بأنّه موجود على رأس الحكومة بفضل أصوات المالكي.

وقالت النائبة عن الائتلاف نهلة الهبابي في تصريح صحافي إنّ حديث رئيس الوزراء حيدر العبادي خلال مؤتمره الصحافي الأربعاء يفتقر للأدلة والوثائق الثبوتية عن صحة كلامه بشأن حالات التزوير في الانتخابات النيابية الماضية، بعد مضي أكثر من سنتين على توليه رئاسة الحكومة، داعية العبادي إلى “تقديم أدلة تثبت صحّة كلامه إلى رئاسة مجلس النواب للاطلاع عليها”.

وأضافت “لولا أصوات رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي لما استطاع العبادي تسنم رئاسة مجلس الوزراء لعدم حصوله على أصوات كافية”.

وكان رئيس الوزراء العراقي، قد أعلن الأربعاء، في مؤتمر صحافي أن مفوضية الانتخابات أوقفت عددا من الموظفين متورطين بتزوير نتائج عملية الاقتراع الماضية التي شهدتها البلاد خلال العام 2014.

وعلى الجهة المقابلة انتقدت النائبة عن ائتلاف دولة القانون ابتسام الهلالي، الخميس، الاتهامات الموجّهة من العضو بذات الائتلاف نهلة الهبابي لحيدر العبادي، مؤكدة أن التصعيد تجاه شخص رئيس الوزراء “غير مقبول ونقف بالضد منه”، مضيفة “العبادي لم يكن يقصد مجيء رئيس الوزراء السابق نوري المالكي بأصوات التزوير”.


العرب