حكومة «استعادة الثقة» نالت ثقة برلمانية ساحقة، أما الثقة الشعبية المسحوقة، فأمرٌ آخر.
 

كان من المفضّل أن تكون حكومة العهد الأولى، تكنوقراطية مستقلة وهي المؤمَّنة على العهد الإنتخابي، لا حكومة فضفاضة متضاربة الألوان أشبه بالبرلمان المصغّر في السرايا، فإذا هي والبرلمان المكبّر في ساحة النجمة أخوان مشتركان في الخطيئة الدستورية وخطيئة التمديد النيابي، وكلاهما يحمل هوية شرعية قيد الدرس.

عندما ألقى رياض الصلح البيان الوزاري الأول لحكومة الإستقلال في 7 تشرين الأول 1943 علَّق المسؤول السياسي البريطاني «بلغريف – Belgrif» قائلاً: «إنّ الجلسة التاريخية أثبتت قدرة الحكومة الفتيّة على الكلام وعلينا أن ننتظر لنعرف مقدار قدرتها على المشي...»

في هذه الحكومة تسميات ووزارات مستحدثة، عليها أن تثبت قدرة المشي على سطح الماء حيث لا مراكب ولا بحر، على غرار ما قرأنا عن تعيين الجنرال «سانتياغو روكا» قائداً للأسطول البحري في «بوليفيا»، والطريف أن بوليفيا ليس فيها حدود بحرية.

وفي هذه الحكومة، وزراء يجتاحون المسافات بقدرتهم على المشي وهم يمتطون الخيول الجامحة، وآخرون يتعلقون بأذناب الخيل وأذناب اللَّقب عملاً بقول الشاعر الذي كتب:

وما عَنْ رضىً كانَ الحمارُ مطيَّتي ولكنَّ مَنْ يمشي سيرضَى بما رَكِبْ.

وفي هذه الحكومة وجوه جديدة غير معروفة وغير مألوفة وغير موصوفة، وفي انتظار معرفة قدرتها على المشي، يكفي أن نعرف أنها تمتلك مؤهلات علمية وأنَّ أيديها لم تتلوّث بعد بالفساد، وأَنّ المدى الزمني من عمرها لن يمكّنها من تحقيق التحصيل الوافي من هذه الثقافة.

أغرب ما أدهشنا في جلسة مناقشة البيان أن بعض الذين يطالبون الحكومة بالعفّة، قد تلبَّس الفساد أسماءهم ولوّث وجوههم بالوحل ورسَمَ بالوشْم جلودهم.

لعلّ ما يعنينا من هذه الحكومة هو ما يمارسه أعضاؤها من مناقبية ومسلكية أخلاقية... ولا يعنينا بيانها، لأنّ الحكومات لم تتقيّد مرة بالبيانات، ولا تعرف أن البيان الوزاري سمّي تيمُّناً بعلم البيان وفنون الأدب حيث الفصاحة في الوضوح والبلاغة في حسن العبارة ووضع الكلام في موضعه.
يبقى: أنَّ أمام هذه الحكومة وهذا العهد رهاناً تاريخياً هو قانون الإنتخاب.

ومن أجل ترطيب الذاكرة لا بدّ من التذكير بقرار المجلس الدستوري 69/4 تاريخ 96/8/7: وقد جاء فيه: «إنَّ قانون الإنتخاب يجب أن يكون واحداً لجميع المواطنين إنطلاقاً من مبدأ إعطاء كل صوت القيمة الإقتراعية عينها، في مختلف الدوائر الإنتخابية ومن خلال المساواة في تقسيم هذه الدوائر...»

ولعلّ ما يدعو الى التفاؤل في مجال التغيير والإصلاح، هو الخوف من الإستحمام بالماء الملوث مرتين... وما نشهده من لقاءات في القصر الجمهوري بما يتعهده فخامة الرئيس علناً الى حدّ الإلتزام.

وهو أخيراً أن يكون «الممر الإلزامي» لكل موقف وقرار هو إرادة الشعب وحق الشعب، ومصلحة الشعب، بهذا... وليس بسحر البيان تُستعاد الثقة بالحكومة والحكم وبلبنان.