ثقة مريحة نالتها حكومة الرئيس سعد الحريري من مجلس النواب، خرجت بها مذخّرة بقوة دفع نيابية في اتجاه التصدي لرزمة الملفات المتراكمة والصعبة، ويأتي في مقدمتها الملف الأكثر صعوبة المتعلق بالقانون الجديد للانتخابات، والذي أعطى الحريري تعهداً جديداً بالأمس، بحتمية الوصول اليه في الفترة الفاصلة عن موعد الانتخابات النيابية في الربيع المقبل، ولكن من دون ان يحدد ماهيّة الصيغة الاكثرية او النسبية او التقسيمات التي سيرتكز عليها هذا القانون.
 

هذه الثقة كانت متوقعة، وبهذا الحجم الكبير الذي فاق ثلثي أعضاء المجلس النيابي، لكنّ العلامة الفارقة تَبدّت في غياب 34 نائباً عن جلسة الثقة، توزّعوا بمعظمهم على الكتل المُشكِّلة للحكومة. والأكيد انّ هذا الغياب، وتحديداً غياب نواب الكتل المنضوية في الحكومة، ليس ذا قيمة سياسية كما ليست له أبعاد إعتراضية او مطلبية، بل هو يطرح علامات استفهام حول سرّ هذا الغياب الذي لا يبدو مبرّراً.

وبرز فيه غياب النواب: فؤاد السنيورة وبهية الحريري وبدر ونوس وسيبوه كالباكيان من كتلة «المستقبل»، ووليد جنبلاط وغازي العريضي وفؤاد السعد ونعمة طعمة من كتلة «اللقاء الديموقراطي»، وسليمان فرنجية وسليم كرم من كتلة «المردة»، وطوني ابو خاطر وستريدا جعجع من كتلة «القوات اللبنانية»، وأسعد حردان من كتلة الحزب «السوري القومي»، وقاسم هاشم وانور الخليل من كتلة «التنمية والتحرير»، وزياد اسود ويوسف خليل وادغار معلوف من تكتل «الاصلاح والتغيير»، وحسين الموسوي والوليد سكرية من كتلة «الوفاء للمقاومة».

فغياب هؤلاء كانت له قيمة عددية، ذلك انّ غيابهم خَفّتَ من وهج الثقة التي نالتها الحكومة، وحال دون أن تحظى بثقة موصوفة تزيد عن المئة وعشرة نواب فيما لو حضروا.

الإمتحان الأكبر

وقال مرجع سياسي لـ«الجمهورية»: «تجاوزت الحكومة امتحان الثقة وحازت عليها من النواب الذين منحوها «الفيزا» للدخول الى حقل العمل والانتاج، إلّا انّ الامتحان الاكبر لها يكمن في نيلها ثقة الناس التي تنتظر منها الكثير».

ولاحظ المرجع «مصادفة الثقة في فترة الاعياد»، معتبراً انها «تمنح الحكومة فرصة سماح موقّتة لا تزيد عن ايام عدة سقفها الاسبوع الاول من السنة الجديدة لتنطلق حينها في السباق الذي دخلت فيه مع الملفات الضاغطة حتى على عمرها القصير نسبياً والمحدد ببضعة أشهر، وبعض تلك الملفات من النوع الثقيل الذي يُثقل كاهل الناس جميعاً».

ولفت المرجع الانتباه «الى انّ الثقة بالحكومة، جاءت في السياق الانسيابي نفسه الذي بدأ مع التسوية الرئاسية وتُوبِع مع تكليف الحريري، وكذلك مع شكل الحكومة الثلاثينية ومن ثم مع تشكيل الحكومة في فترة قياسية خلافاً للأمد الطويل الذي كان يستغرقه تشكيل سابقاتها، وصولاً الى البيان الوزاري وسرعة إعداده بصيغة توافقية ومناصفة بين القوى السياسية أقرب الى بَيت الشعر، على حد تعبير أحد السياسيين حيث اعتبر انّ الصدر لـ«8 آذار» والعجز لـ«14 آذار»، وانتهاء بخطابَيّ الحريري في بداية الجلسة ونهايتها، والذي سار فيهما بين النقاط السياسية من دون أن يقارب بالعمق أيّاً من الملفات الخلافية. ومروراً بمداخلات النواب التي نأت عن الحدّة والتشنّج، كلّ ذلك يدلّ على انّ المسار «الإيجابي» نفسه ما زال مستمراً، وهناك إرادة واضحة بالمهادنة لدى كل الاطراف».

مصادر وزارية

ومع انطلاقة الحكومة، تبدو همّة بعض الوزراء عالية، أقلّه نظرياً، لمقاربة الملفات والقضايا المطروحة، إلّا انّ مصادر وزارية ترى ضرورة اعتماد الموضوعية والواقعية اذ انّ مهمة الحكومة الاساسية هي الشروع أولاً في مَنهَجة ملفاتها وترتيب أولوياتها، بحيث يفترض ان تتوزّع على شقين متزامنين: الاول يتعلق بالقانون الانتخابي وتحديد آلية مقاربته والمدى الزمني الذي يفترض أن تستغرقه في توليده الذي قد لا يكون مُستعصياً في ظل النقاش الجدي الذي يدور حوله بين القوى السياسية، وفي ظل روحية المهادنة السائدة والارادة الملحوظة بالابتعاد عن حلبات المواجهة والاشتباك. والشق الثاني يتعلق بسائر الملفات ومحاولة تحقيق إنجاز سريع فيها خصوصاً تلك المُلحّة ويتصدّرها وضع الادارة والتعيينات والنفايات والكهرباء.

على أنّ الأهمّ في رأي المصادر الوزارية «هو الالتفات الى مسألة شديدة الاهمية، وهي انّ إنجاز هذه الملفات يتطلّب قدرة خارقة للحكومة، هي نفسها تعترف بعدم امتلاكها، بل جُلّ ما تملكه هو إرادة معلنة بالعمل، والجميع يدركون انّ العبرة تبقى في التنفيذ وفي الايفاء بالوعود المقطوعة نحو عمل دؤوب وجدي وسليم وسريع.

يعني ذلك انّ مهمة الحكومة ليست سهلة، الّا اذا تمكنت من اجتياز المعابر الصحيحة وابتداع الحلول السريعة ومن تفكيك كل الالغام السياسية وغير السياسية الماثلة في الطريق، وأحسَنت مقاربة الاولويات. التي تأتي في مقدمتها الموازنة العامة التي تعتبر أولى الاولويات، لإعادة انتظام الواقع المالي المُختلّ منذ ما يزيد عن عشر سنوات».

واكدت المصادر «انّ إقرار القانون الانتخابي سريعاً هو المفتاح لتسهيل مقاربة سائر الملفات، فإن أقرّ بالإيجابية السائدة حالياً فذلك سيسَهّل بحث كل القضايا الاخرى وفي إيجاد حلول ومخارج لها ويجعل من مجلس الوزراء ساحة توافق وليس ساحة متاريس، على غرار ما كان سائداً أيام الحكومات السابقة.

على انّ كل ذلك مرهون بصدق النيّات وترجمتها من قبل مكوّنات الحكومة، لا أن تُظهر عكس ما تُضمر». وبحسب معلومات المصادر انّ فترة ما بعد فترة السماح، التي تنتهي مع بداية السنة الجديدة، ستشهد ورشة عمل جدية في كل الاتجاهات، سواء في الحكومة أو على مستوى الرؤساء الثلاثة.

في حين يتحضّر رئيس مجلس النواب نبيه بري لعقد جلسة تشريعية في القريب العاجل لإقرار مجموعة من المشاريع واقتراحات القوانين، وذلك بالتوازي مع استكمال الحوار الانتخابي بين القوى السياسية، والذي بدأت خطواته الاولى في الحوار الثلاثي بين حركة «أمل» و«حزب الله» وتيار «المستقبل»، على أن يشمل سائر القوى بما يمكن من بلوغ التفاهم حول صيغة توافقية للقانون الجديد وفي فترة وجيزة نظراً لضيق الوقت.

الحريري

وكانت جلسة الثقة قد استؤنفت في الحادية عشرة قبل ظهر أمس، واستهلّت برَدّ الحريري على مداخلات النواب، فأعلن انّ الحكومة استفادت من ملاحظاتهم وستأخذ الجزء الاكبر منها خلال عملها.

وإذ أكد وجود قضايا خلافية مثل موضوع السلاح، أشار الى «أنّ توافق الحد الأدنى يقول انّ هذا الموضوع مَتروك للاستراتيجية الدفاعية، والحكومة في هذا الشأن كانت واضحة في بيانها، ووضَعته في هذا الإطار، لأننا نعلم أنّ هناك خلافاً على هذا البند، وقلنا بكل هدوء إنّ هناك استراتيجية دفاعية ويجب أن نجلس ونتحاور في هذا الموضوع».

وفي الشأن الانتخابي، أوضَح أنه وكل القوى السياسية يريدون قانون انتخابات جديد، وقال: «نريد أن ننجز هذا القانون ومجلسكم الكريم سَيقرّه».
وإذ جدّد التزامه بالمحكمة الخاصة بلبنان، لاحظ أنّ هناك إشكالاً في قراءة عبارة «مبدئياً» في الفقرة المتعلقة بها. وأوضح انّ «الجملة تقول إنّ «الحكومة ستتابع مسار المحكمة الخاصة بلبنان، التي أنشِئت مبدئياً لإحقاق الحق والعدالة»، والمقصود أنّ المحكمة أنشِئت من حيث المبدأ لإحقاق الحق، ولا أعتقد أنّ هناك أي خلاف حول ذلك».

وشدّد على وجوب تنفيذ قرار مجلس الوزراء بإلغاء العمل بوثائق الاتصال ما لم تستند إلى استنابة قضائية. وأكّد العمل على إصدار التشريعات بالنسبة إلى الشراكة بين القطاعين العام والخاص، في أسرع وقت.

وقال الحريري: «واجبنا في هذه الحكومة أن نَنكَبّ على إنجاز كل الأولويات التي أوردناها في البيان الوزاري، ونعمل على هذا الأساس. قد لا نستطيع وضع كل ما نريد، لأنّ عمر الحكومة أساساً سيكون حوالى الستة أشهر، ولكنني أؤكد لكم، إن شاء الله، أننا جميعاً سنعمل على إقرار قانون انتخابات جديد. بناء على ذلك، تطلب الحكومة ثقتكم، ثقة مجلس النواب».

وبعد كلمة الحريري، طرحت الثقة للحكومة على التصويت، فمنحها 87 نائباً، وحجبها نواب حزب الكتائب: سامي الجميل وسامر سعادة ونديم الجميل، وكذلك حجبها النائب خالد الضاهر، وامتنع نائب «الجماعة الاسلامية» عماد الحوت عن التصويت.

حمادة

واعتبر وزير التربية مروان حمادة انّ الثقة التي نالتها الحكومة هي ثقة محترمة وتفوق الثلثين، وقال لـ«الجمهورية»: «من أولويّات العمل الحكومي الموازنة والانتخابات النيابية». أضاف: «إن شاء الله نلَحّق عليهن، لكي يكون أبو زيد خالُن».

رئيس الجمهورية

من جهة ثانية، تلقى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أمس تهاني القيادات العسكرية والأمنية والعاملين في القصر الجمهوري والإعلاميين المعتمَدين فيه وقيادة وضباط لواء الحرس الجمهوري لمناسبة عيدَي الميلاد ورأس السنة، وأكد أنّ «الجيش والأجهزة الأمنية أساس هذا الوطن ورمز الطمأنينة والاستقرار والقدوة تجاه المواطنين، وأنّ الشعب يقف وراءها، والى جانبها قيادة سياسية تمنحها الحصانة والدعم اللازمين».

ولفت الى أنّ «الأمن يساهم في ازدهار الإقتصاد والسياحة وتوظيف الأموال، خصوصاً أنّ بلدنا يشهد «هجمة» إيجابية من الدول العربية والأجنبية والمؤسسات الدولية التي ستساعد لبنان بعدما أدركت مدى تحسّن الأوضاع فيه».