متى ينتهي الخلاف حول المقاومة كلّما كان مطلوباً الاشارة إليها في كل بيان وزاري أو عند وضع البيان الختامي لجلسات هيئة الحوار الوطني، ويصير اتفاق على اعتبار أن الدولة اللبنانية القوية هي وحدها من يتحمّل مسؤولية حفظ الأمن على حدود لبنان وداخل حدوده ولا شريك لها في ذلك سوى دعم الشعب بكل فئاته؟
 

 ثم لماذا يتّهم "حزب الله" بذكر "المقاومة" في كل بيان وزاري ما دام انه لا يتقيّد بمضمونه متى شاء ولا بقرارات جلسات الحوار إذا كان فيها ما لا يعجبه؟ ففي تأليف الحكومات منذ العام 2005 الى اليوم و"حزب الله" يكرّر القول بلسان أكثر من قيادي فيه: "إذا كان تأليفها مرتبطاً بإسقاط معادلة "الجيش والشعب والمقاومة" فلينتظروا تأليفها طويلاً"... وأنهى الحزب مرة الجدل حول ذكر "المقاومة" في بيان ختامي لإحدى جلسات الحوار بقول ممثله النائب محمد رعد: "كلما أردتم أن تضعوا كلمة "المقاومة" بتربّحونا ميّة جميلة. شيلوها وحطّو الكلمة البدكم ياها، أي "اكتبوا ما تشاؤون ونحن نفعل ما نشاء". وقد قرن الحزب قوله هذا بالفعل، فلا التزم تنفيذ القرارات التي صدرت عن اجتماعات هيئة الحوار الوطني، بل التزم موقف سوريا وإيران منها، ولم يلتزم حتى سياسة "النأي بالنفس" التي اعتمدتها حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، مع أن الحزب كان ممثلاً فيها أفضل تمثيل بحيث وصفها البعض بـ"حكومة حزب الله". ومع ذلك فإنه قرر منفرداً التدخل عسكرياً في الحرب السورية غير آخذ في الاعتبار انقسام اللبنانيين الحاد حول هذا التدخل، ولا نص "إعلان بعبدا" الذي كان الحزب من الموقعين عليه.

الواقع أنه عند وضع صيغة كل بيان وزاري كان النقاش يدور حول "بند المقاومة"، لا سيما لجهة حق لبنان وشعبه وجيشه ومقاومته في تحرير أرضه. وقد تم التوصّل في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الى اتفاق على ضرورة التمييز بين حق تحرير الأرض بكل الوسائل المتاحة والمشروعة، وممارسة هذا الحق، بمعنى أن هذا الحق هو للبنان الرسمي، بحيث أن المقاومة قد تكون إحدى الوسائل، وأنهت هذه الصيغة الجدل حول الموضوع خصوصاً بعد التأكيد على التزام القرار 1701 بكل مندرجاته. ولكن ظل وزراء في تلك الحكومة يشدّدون على مرجعية الدولة، وجرى نقاش، فمن لم يقبل بعبارة "في كنف الدولة" قبل بعبارة وحدة الدولة ومرجعيتها بصفتها ناظماً لتوجّهات الحكومة وقراراتها على أن توضع العبارة هذه في مقدمة البيان الوزاري. لكن وزراء، تأكيداً منهم على مرجعية الدولة، ظلّوا متمسّكين بعبارة "في كنف الدولة"، في حين اعتبر آخرون أن فقرة "مرجعية الدولة" تعبّر بشكل كافٍ عن ذلك، فسجّل وزراء تحفّظهم وكان ذلك طبيعياً لأن الحكومة كانت مثل حكومة اليوم تمثل كل الاتجاهات السياسية ومن الصعب الاجماع على كل شيء. وهو ما حصل في جلسة إقرار البيان الوزاري لحكومة الرئيس سعد الحريري. وتكرّرت في بيانات وزاريّة حسماً للخلاف عبارة "تأكيد حق لبنان في الدفاع عن أرضه وسيادته بكل الوسائل بما فيها المقاومة" لأن لبنان الرسمي هو الذي يقرر نوع الوسائل ومنها المقاومة.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا يصر "حزب الله" عند وضع كل بيان وزاري على ذكر "المقاومة" ما دام أنه حر في تصرّفه وقراراته ولا يتقيّد بمضمون أي بيان إذا جاء فيه ما لا يعجبه؟ وهو ما جعل الرئيس ميشال سليمان يكرّر القول في أكثر من مناسبة: "إن معادلة الجيش والشعب والمقاومة تحمي لبنان شرط أن يكون لها جهة تديرها. فمن أجدى وأدرى بادارة هذه المعادلة غير الدولة اللبنانية التي إذا لم تقم بواجباتها يفقد الجيش هيبته وتنكشف حصانة المقاومة، وإذا لم يدافع الجيش عن الأرض ضد الاعتداءات الاسرائيلية ولم يقم بواجبه في حفظ الأمن بشكل جيد فهو أيضاً يكشف المقاومة. كذلك لا يمكن المقاومة أن تنفرد بالتدخل في الشؤون الخارجية والداخلية، بل يجب أن تلتزم ادارة المعادلة وقرارات الدولة".
الى ذلك، ينبغي على الدولة اللبنانية ألّا تقع في خطأ "اتفاق القاهرة" الذي نص على "تسهيل العمل الفدائي عن طريق تسهيل المرور للفدائيين، وتحديد نقاط مرور واستطلاع في مناطق الحدود، وتأمين الطريق الى منطقة العرقوب، وإيجاد انضباط مشترك بين الكفاح المسلح والجيش اللبناني، وتعيين ممثلين عن الكفاح المسلح في الأركان اللبنانية يشتركون في حل جميع الأمور الطارئة". فجعل هذا النص اسرائيل تعتبر الدولة اللبنانية شريكة في كل ما يقوم به الكفاح المسلح، كما اعتبرت اتفاق الهدنة بينها وبين لبنان ساقطاً، فردّت بسلسلة اعتداءات واجتياحات للجنوب بلغ أحدها العاصمة بيروت. واضطر لبنان في ما بعد الى اعتبار ذاك الاتفاق لاغياً وإن بعد خرابه، واضطرت الحكومة اللبنانية أيضاً الى إعلان عدم علمها بقرار "حزب الله" المتعلق بحرب تموز مع اسرائيل لتتفادى ضرب المرافق في لبنان. لكن اسرائيل لم تستثنها لأنها اعتبرت الدولة اللبنانية و"حزب الله" واحداً، كذلك المنظّمات الارهابية عندما ضربت داخل لبنان، فتذرعت بالقول إنها ترد على ضربات "حزب الله" داخل سوريا. لذلك من مصلحة الحزب ولبنان الرسمي التمييز بينهما كي لا يتحمل أحدهما وزر قرارات الآخر، بل يكون تنسيق يحدّد زمان المواجهة ومكانها وفي الوقت المناسب.