يبدو أن عدداً من الباحثين الأميركيين الساعين الى معرفة السياسة التي سينتهجها الرئيس المنتخب دونالد ترامب بعد تسلمه سلطاته الدستورية بعد نحو أربعة أسابيع يشعرون بشيء من الإحباط لأن الوضع في الشرق الأوسط وخصوصاً في سوريا مُحبِط.
 

 فهم لا يعرفون الى أين يتجه، ولا يعرفون أيضاً إذا كان يعرف وجهة سيره والنقطة التي يريد بلوغها. فهو مستمر في الإدلاء بتصريحات وفي كتابة "تغريدات" تربك الجميع. فهل يفعل ذلك رغبة منه في الحصول على ردود فعل المعنيين عليها في الداخل والخارج؟ أم أنه يعتزم فعلاً تنفيذها عندما يبدأ ممارسته الرسمية للرئاسة؟ والأمر نفسه ينطبق على اجتماعاته مع عدد من الشخصيات المتنوّعة الاتجاهات وخصوصاً العسكرية من أصحاب الرتب العالية. وذلك يثير سؤالاً مهماً هو الآتي: هل يسعى الى تثقيف نفسه بواسطة هذه الاجتماعات؟ طبعاً لا أحد يمتلك أجوبة عن كل ذلك. لكن الباحثين المُشار اليهم أعلاه يبدون متأكدين من أمور عدة. أولها أن الصين هي هدف ترامب رغم سماعه من الكثيرين في محيطه وخارجه أنها الهدف الخطأ. والاعتقاد السائد أنه يستهدفها أو سيستهدفها لأسباب اقتصادية ومالية وتجارية. وثانيها أن الجمهورية الاسلامية الايرانية هي الهدف الثاني له. ويُلاحَظ أن هذا الهدف يحظى بدعم داخلي في بلاده ومن رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو ومن غالبية مواطنيه اليهود. لكنه أُبلِغ من داخل وربما من خارج أيضاً أن إيران قد تتسبب له بالكثير من المشكلات وخصوصاً إذا فشل في استرضاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أو على الأقل في تهدئته. وثالثها أنه لا يستطيع استرضاءه أو تهدئته قبل نشر المجتمع الاستخباري الاميركي ولا سيما الـ"سي. آي. إي" (المخابرات المركزية) تقريره النهائي عن القرصنة الالكترونية لمجلسي الحزبين الديموقراطي والجمهوري في أثناء الحملة الانتخابية والمتهمة به روسيا، وكذلك قبل تناول اللجان البرلمانية المختصة في الكونغرس هذا التقرير بالدرس والتشريح. ويبدو أنه سيقول من دون لبس أن بوتين أَمَرَ بتسريب أو بنشر الرسائل الالكترونية (إيميلات) المأخوذة من المجلسين المشار إليهما أعلاه. ورابعها أُبلِغ ترامب أن "التحالف" بين بوتين وإيران سيجعل من خلط الأوراق مع الأول أو من التفاهم معه مستحيلاً وخصوصاً إذا فهمت موسكو أو تأكدت أنه يخطط لاستهداف الايرانيين. أما خامس الأمور وآخرها فهو أنه تم إبلاغه أن نقل السفارة الأميركية في إسرائيل من تل أبيب الى القدس سيُنهي عملية السلام في الشرق الأوسط وحلّ الدولتين للصراع الفلسطيني – الاسرائيلي. وسيساهم في ذلك دعمه الكبير وعلاقاته الوثيقة مع نتنياهو. كما أُبلِغ أن إصراره على ذلك سيفقده عالم الإسلام السنّي في المنطقة وهو كبير.
ماذا يجب أن يفعل ترامب في سوريا أو لها باعتبارها، إضافة الى العراق، ممراً الى سلام إقليمي جدّي أو الى استمرار الحروب المذهبية والطائفية والاتنية؟
يجيب باحثون أميركيون جيّدون آخرون أن عليه فعل الآتي:
1 – قبول حقيقة أن سوريا دخلت الآن مرحلة التقسيم الواقعي وإقامة مناطق آمنة فيها. فقوات الرئيس بشار الأسد عاجزة عن استعادة مناطق المتمردين كلها البالغة ثلثي أراضيها. كما أن المعلومات المتوافرة تشير الى أن روسيا وتركيا توصلتا بعد حرب بالواسطة في سوريا كادت أن تتحول مباشرة الى اتفاق غير معلن رسمياً تسيطر بموجبه الأولى على مدينة حلب، ويسيطر الثوار السوريون المدعومون من تركيا على إدلب والريف الشمالي لحلب. وانطلاقاً من ذلك تقام مناطق آمنة في المناطق المجاورة لتركيا والأخرى المجاورة للأردن.
2 – التفاوض بجدية وشدّة مع موسكو وذلك لاختبار مدى التزامها محاربة الإرهاب في سوريا وكبح جماح نظام الأسد، ووضع برنامج تسوية سياسية قابلة للتنفيذ انطلاقاً من "اتفاق موسكو" في الخريف الماضي. وفي الوقت نفسه الاحتفاظ بالبرنامج الآخر غير المعلن مثل توحيد المعارضة المعتدلة ومدّها بما تحتاج إليه لتنفيذه في حال فشل التفاوض.
3 – فصل إيران عن روسيا في سوريا فالاثنتان تدعمان نظام الأسد بالميليشيات والسلاح الجوي. لكن الموضوع المهم هو الهدف. إذ على أميركا التفاوض مع روسيا على تسوية سورية قابلة للحياة تخرج "حزب الله" والميليشيات الشيعية المدعومين من طهران من سوريا وتُبقي إيران خارجها. وذلك يساعد ترامب في تنفيذ سياسته حيال "الاتفاق النووي" مع إيران وفي وضع حد لتوسعها الاقليمي.