بعد سنتين ونصف تقريبا من الشلل الذي ضرب المؤسسات اللبنانية جراء عجز القوى السياسية عن انتخاب رئيس للجمهورية، طغى على المشهد اللبناني هذه الأيام بوادر إيجابية مغمورة بمسحة من التفاؤل بعد تشكيل الحكومة برئاسة سعد الحريري، بإمكانية عودة الحياة إلى العاصمة بيروت أملًا باستعادة رونقها وإشعاعها على أثر استقبالها وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت يوم الخميس الماضي وسط توقعات توالي زيارات لمسؤولين غربيين كبار خلال الأيام المقبلة لتأكيد وقوف المجتمع الدولي مع العهد الجديد ودعمهم له. 
وأكد وزير الخارجية الفرنسي عقب لقائه بكل من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري "أن الظروف أصبحت مؤاتية لتنفيذ عقد بالمليارات من الدولارات لإمداد لبنان بأسلحة بتمويل سعودي بعد تشكيل الحكومة".

 

إقرأ أيضًا: محطات عربية مذلّة
وأوضح إيرولت أنه أصبح من المهم الآن أكثر من أي وقت مضى أن تبقي السلطة الجديدة في لبنان على الحوار مع المملكة العربية السعودية وإيران لضمان عدم استدراج البلاد إلى الصراع الدائر في سوريا، وأضاف وفي وصفه للواقع اللبناني "الشمس تشرق من جديد على لبنان".
وكانت السعودية قد علّقت برنامجًا بقيمة ثلاث مليارات دولار لإمداد المؤسسة العسكرية اللبنانية بأسلحة فرنسية الصنع في شهر شباط الماضي مشيرةً إلى مخاوف من نفوذ حزب الله على السلطة في لبنان، إلا أنه ومع انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة الوفاق الوطني عادت الآمال تدغدغ اللبنانيين بإمكانية أن تستأنف المملكة هذا الدعم. 
ومن المتوقع أن يقوم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بزيارة قريبًا إلى الرياض في محاولة لإعادة العلاقات بين البلدين إلى سابق عهدها بعد أن توترت بسبب مواقف وزير الخارجية اللبنانية وصهر الرئيس جبران باسيل المناهضة للسعودية، فضلًا عن تحويل حزب الله الساحة اللبنانية إلى منبر لمهاجمة المملكة. 
وفيما يرى بعض المراقبين أن مهمة عون ستكون صعبة بالنظر إلى التركيبة الحكومية التي أفرزتها ضغوط حزب الله والتي تعكس رؤية طهران ودمشق بالتحديد، إلا أن البعض الآخر من المراقبين يتوقعون من المملكة العربية السعودية أنها ستقابل خطوة عون بالترحيب لإدراكها أن استمرار الفتور في العلاقة بين لبنان والسعودية يصب في مصلحة المحور الإيراني. 
وإذا كانت الأطراف اللبنانية غارقة في تقويمها للتوازنات داخل الحكومة، إلا أن الهجمة الدبلوماسية المكثفة باتجاه لبنان تكشف عن مدى الحرص الدولي على استقرار الوضع اللبناني وتسيير عجلة مؤسساته. 
ومنذ بداية العهد الجديد الذي انطلق بانتخاب عون رئيسًا للجمهورية، فقد زار لبنان موفدون أجانب أبرزهم وزراء خارجية ألمانيا وكندا وتركيا ومساعدة وزير الخارجية الأميركية آن باترسون، وأخيرًا وزير الخارجية الفرنسي في إشارة واضحة للدلالة على الاهتمام الدولي الحثيث بالاستقرار اللبناني على مختلف الأصعدة؛ الأمنية والاقتصادية والمالية والعسكرية، ذلك أنه إذا كان لبنان يترنّح تحت ضغوط الطبقة السياسية الفاسدة ومصالح أطرافها، إلا أن سقوطه ممنوع، لذا جرى الدفع الدولي لتسريع إعلان الحكومة بإزالة العراقيل من أمامها بعد انتخاب رئيس للجمهورية، على أن تكون الانتخابات النيابية هي الهدف التالي. 

إقرأ أيضًا: قوة عون بالتزامه نهج حزب الله
وقد تلقّى لبنان وعودًا دولية بدعم استقراره ليتمكّن من الصمود في وجه الاستحقاقات التي يفرضها الصراع الإقليمي في المنطقة. 
ومن الواضح أن الاهتمام الدولي بالاستقرار اللبناني ينطلق من مسألتين أساسيتين. 
الأولى مسألة النازحين السوريين، حيث تشير مصادر سياسية إلى أن ضغوطًا من الموفدين الدوليين تمارَس على المسؤولين اللبنانيين لتحسين الأوضاع الاجتماعية والمعيشة لما يقارب المليون ونصف مليون نازحٍ سوري إلى لبنان للحؤول دون تدفّقهم إلى الدول الغربية وخصوصًا الأوروبية منها وتعريض مجتمعات هذه الدول لمخاطر الإرهاب والعمليات الانتحارية والتفجيرات. 
المسألة الثانية متصلة بالأولى، حيث يطرح الموفدون الدوليون تحصين بيئات النازحين السوريين اجتماعيًا كي لا تقوم الجماعات الإرهابية باستغلال أزمة النازحين المعيشية والاجتماعية لتحويلهم إلى قنابل متفجَرة تهدد المجتمعات الغربية. 
ولبنان مضطر للرضوخ لهذه المطالب والشروط الدولية تحت طائلة حرمانه من الدعم الدولي سواءً لجهة المساعدات والقروض للمشاريع التنموية أو حرمانه من التغطية السياسية الدولية.