بعد "تحرير" مدينة حلب من الإرهابيّين والثوّار المعارضين، يتساءل السوريّون كما شعوب المنطقة كلّها: أي مدينة أو منطقة أخرى سيبدأ الرئيس بشار الأسد عملية "تحريرها" بمساعدة روسيا وإيران وحلفائها؟ فالمعارك الأكثر احتداماً وقسوة في الحرب المندلعة منذ عام 2011 هي التي حصلت داخل المدن الواقعة شمال جنوب سوريا أو في محيطها. وجيش الأسد وحلفاؤه يُمسكون بالمدن "المفتاحية" وهي حلب في الشمال وحماه وحمص في الوسط ودمشق في الجنوب. وفي حرب أطرافها كثر فإن ما يلوح صراع مركّز جدّاً بين قوات الأسد الموجودة في القسم الغربي في سوريا المكتظّ بالسكان و"داعش" الموجودة في القسم الشرقي منها حيث الصحراء شاسعة وساكنوها قليلو العدد. وبعد تحرير حلب يطرح هؤلاء السؤال الآتي: ماذا بعد أو ما هو المتوقّع بعد حلب في الحرب السوريّة؟ والجواب عنه واضح وقصير في آن وهو أن أحداً لا يعرف بالضبط. لكن باحثاً أميركيّاً جدّياً يلفت إلى ضرورة مراقبة أمور أساسيّة قبل التسرّع بالجواب. ويوافقه على ذلك مُتابعون آخرون في العاصمة الأميركية واشنطن. لكن الجميع يطرحون أسئلة جدّية ومهمّة ويحاولون إعطاء أجوبة عنها قد تُعطي إشارات إلى مسار التطوّرات المقبلة في سوريا بعد "التحرير" المذكور أعلاه.
السؤال الأوّل هو: أين ستقع المعركة المقبلة؟ والجواب هو أن الرئيس السوري قال في تشرين الأول الماضي إن قوّاته ستستخدم حلب قاعدة لملاحقة الإرهابيّين الموجودين في ريفها بما في ذلك محافظة إدلب والمناطق القريبة من الحدود التركيّة. فهي ستكون نقطة الانطلاق للتحرير ولمتابعة تنظيف هذه المناطق من الإرهابيّين بدفعهم إلى تركيا التي أتوا منها إلى سوريا أو بقتلهم. علماً أن الجيش السوري اقتلع نهائيّاً المتمرّدين من ضواحي دمشق ومدن أخرى. وقال أيضاً بعد ذلك إن مناقشات ستجري مع القيادتين الروسية والإيرانيّة اللّتين تشترك قواتهما في المعارك.
والسؤال الثاني هو: هل للمتمرّدين مستقبل؟ والجواب هو أن خسارة حلب هزيمة كبيرة لهم. كما أنّهم بدوا أصغر وأضعف وأكثر انقساماً من أي وقت في السنوات القليلة السابقة. فهم ركّزوا على المدن وسيطروا على بعضها أو على أقسام منها ومارسوا بذلك ضغطاً مهمّاً على الأسد. لكنهم اليوم وبعد إخراجهم منها فقدوا نفوذهم وفاعليّتهم وقوّتهم ليس فقط في ساحات المعارك بل في أي مفاوضات محتملة. وصار عليهم كمعارضة مسلّحة أن يتبنّوا تكتيكاً جديداً أقرب إلى الانتفاضة منه إلى الثورة المسلّحة والحرب العسكريّة.
والسؤال الثالث هو: ماذا يعني ذلك لـ"داعش"؟ والجواب هو أنه يواجه ضغطاً في جبهات عدّة. فأميركا تقصف معقله الرقّة ومناطق أخرى له وسط سوريا وشرقها. وهي أعلنت أخيراً أنها تنسّق هجوماً لإخراجه منها. وهو، أي "داعش"، يخسر مناطق في العراق. ويعني ذلك أنه قد يتعرّض لضغوط متزايدة في خاصرته الشرقيّة. والأسد وحلفاؤه الروس كانوا خصّصوا في السابق قوّة ناريّة قليلة لمواجهته. لكنه قد يختار، بعدما صار أكثر أماناً بـ"وجوده" في أكثر المناطق دقّة وحراجة من البلاد، توجيه مدافعه بقوّة إليه. وهو قد يكون مسروراً بتولّي أميركا وشركائها الهجوم عليه إذ يمكّنه ذلك من المحافظة على "موارده" المحدودة. طبعاً ليس من المحتمل قيامه بهجوم رئيسي على "داعش"، لكنه لا يستطيع تجاهله كليّاً وخصوصاً بعدما استرجع أخيراً مدينة تدمر التي كان طُرد منها.
والسؤال الرابع هو: ماذا سيفعل دونالد ترامب؟ والجواب هو أنه قد يواجه في سوريا أوّل اختبار جدّي لسياسته الخارجيّة. فأوباما يقصف "داعش" منذ نيّف وسنتين. والانطباع العام أن ذلك أضعفه. أما تحرير "الرقّة" منه بهجوم عسكري، فإن التخطيط له يتم ببطء ربّما لأن المعركة ستكون صعبة وقاسية. ترامب يقول إنه "سيدمِّر" "داعش" في سرعة، ومساعدوه الكبار ومنهم مستشاره لشؤون الأمن القومي ووزير دفاعه أعلنوا مواقف "صقوريّة" منه. لكنه لم يقدّم تفاصيل عن خطّته، وأرسل في الوقت نفسه إشارات متناقضة بقوله إنه لا يريد جر أميركا إلى صراع مفتوح في الشرق الأوسط. ويبدو أن الأسد يحاول حضّه على ضرب "داعش" وذلك عندما قال للتلفزيون الروسي أخيراً: "إذا كان ترامب قادراً على محاربة الارهاب بصدق فيكون قادراً على أن يكون حليفنا الطبيعي".
وبما أن الأجوبة المفصّلة أعلاه لا تجيب عن سؤال: ماذا بعد حلب؟ يمكن القول إن الحرب في سوريا لم تنتهِ بعد.