يختلف الباحثون عن هويّة الحكومة العتيدة، بين قائل إنها حكومة انتخابات ستُدخل البلاد عصر النسبية وآخر يوحي بأنها ستُحيي قانون الستين مع بعض «الرتوش». فالمهل الفاصلة عن موعد الانتخابات لن تسمح بتطبيق قانون جديد وسط رفض شامل للتمديد ما يوحي بالعودة الى القانون النافذ. وما بين النظريّتين واحدة تنسف الجدل القائم من أساسه وتضعه في منزلة تضييع الوقت. كيف ولماذا؟في انتظار نيل الحكومة الثقة بعد إنجاز البيان الوزاري يكون عقد المؤسسات الدستورية قد اكتمل مجدداً وانتهى عهد الشغور في المواقع الدستورية كافة. فقبل يومين بدأت الحكومة العتيدة ورشة صوغ البيان الوزاري وسط حديث متداوَل عن شكل ومضمون المهمات التي ستتولّاها حكومة العهد الأولى.

وعلى خلفية اعتبارها حكومة انتخابات يصرّ البعض على القول إنها حكومة بدء اعتماد النسبية، سواءٌ جاء بها القانون كاملة أو جزئية فيما يعتقد آخرون أنها ستحيي قانون الستين لتُجرى الإنتخابات في موعدها وإلّا فالتمديد للمجلس مرة ثالثة سيكون حتمياً وهو أمر يرفضه، في العلن على الأقل، معظم القوى السياسية والحزبية.

والى أن تحسم الأسابيع المقبلة السباق بين هذه الخيارات يُطرح السؤال: إن تجاوزت الحكومة البيان الوزاري في حال صحّت المعلومات أنّ اتفاقاً مسبَقاً أُبرم حولها فكيف ستتعاطى مع قانون الإنتخاب الجديد؟ وهل سيواكبها مجلس النواب بالتوافق عليه؟

وعليه وفي حال إنجاز البيان الوزاري بالسرعة التي يتوقعها جميع الأطراف والتي كشف عنها الرئيس نبيه بري عقب مشاركته في الصورة التذكارية للحكومة العتيدة، لن يكون هناك أيّ عائق أمام نيل الثقة.

وهي محطة ستفتح الجدل واسعاً وبقوّة حول قانون الإنتخاب الجديد تزامناً مع الوعود التي قُطعت لمكافحة الفساد في الإدارة والحديث عن مصير النازحين وطريقة مقاربة ملفاتهم وصولاً الى آخر العناوين الإقتصادية التي أشارت اليها المواقف المتعدّدة في الساعات التي أعقبت تأليف الحكومة.

وعلى وقع ما هو منتظَر من جدل برزت الإقتراحات الجديدة لرئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل الذي تحدّث عن مشروع قانون مختلَط بصيغة جديدة تتناقض وما هو مطروح في اقتراحي قانون الإنتخاب اللذين تقدم بهما كلّ من بري وثلاثي «القوات اللبنانية» و«المستقبل» و«الإشتراكي»، ما يؤشر الى احتمال وجود وجهات نظر متعددة إزاء حجم النسبية وشكلها ومضمونها وطريقة تطبيقها.

ولذلك يعترف الخبراء في قانون الإنتخاب أنّ إشارة باسيل الى «النسبية الجديدة» التي تحدّث عنها تضيف مشروعاً ثالثاً لم يقاربه أحد بعد، حتى إنّ اللجنة الثلاثية التي انبثقت من حوار «المستقبل» وحزب الله وحركة «أمل» في جلستها الثلثاء الماضي بدأت البحث عن مقاربةٍ لمشروعَي قانونَي، النسبية المختلطة وفق ما قال به مشروع بري بالمناصفة بين اعضاء المجلس وتلك المطروحة بصيغة 60 × 68 ما سيؤدّي الى فتح الجدل من جديد على وقع رفض «المستقبل» و«الإشتراكي» المطلق للنسبية المطلقة والشروط التي وُضعت أمامها في موازاة إشارة حزب الله الى أنّ «النسبية الكاملة» هي المعبر الإلزامي الى القانون الجديد.

والى هذا الجدل القائم يبقى أنّ الإعتراف باستحالة تطبيق القانون الجديد في موعد الإنتخابات المقبلة في ايار المقبل يبدو أنّ وزير الداخلية سيكون مضطراً في القريب العاجل الى البحث في الإجراءات التي على الوزارة اتخاذها ضمن المهل الدستورية التي ينصّ عليها قانون الإنتخاب العمول به قانوناً وهو قانون الستين.

ونقل في هذا المجال عن وزير الداخلية قبل يومين تأكيده مرة أُخرى على أنّ الوزارة لا يمكنها أن تجري الإنتخابات المقبلة سوى على أساس قانون الستين مهما قيل حتى ولو صدر القانون الجديد في وقت قريب جداً. فهي لن تكون قادرة على تطبيقه وتدريب المسؤولين عن 19 ألف قلم انتخابي في مهلة أشهر قليلة، وإنّ الأمر يستلزم تأجيلاً لسنة كاملة على الأقل.

وأمام هذا الجدل المفتوح على الصعد الدستورية ثمّة نظرية تنسف الإستعدادات التي تقوم بها وزارة الداخلية وهي تقول إنّ الحديث عن مهلة تشكيل لجنة الإشراف على الإنتخابات غير دستورية وهي غير ملزِمة.

فالمرسوم 209 الصادر عشية انتخابات 2009 تحدّث عن لجنة الإشراف على أساس أنها لمرة واحدة تُشكَل قبل موعد الإنتخابات بستة أشهر وتُلغى بعدها بستة أشهر ولا لزوم لتشكيلها. ولذلك فإنّ الحديث عن اللجنة مرة اخرى هو لزوم ما لا يلزم، وإنّ الحديث عن مهل في شأنها قد يكون لتعقيد الأمور وإضافة عقدة جديدة يمكن الإفتاء بتجاوزها بتشكيلها قبل عشرة ايام من فتح باب الترشيحات الى الإنتخابات لكي تُقبَل هذه الطلبات والبتّ بها.

وأخيراً لا بدّ من الإشارة الى أنّ هذا الجدل المتعدّد الوجوه حول قانون الإنتخاب سيبقى قائماً لأسباب سياسية لا قانونية ولا دستورية. ليبقى السباق مفتوحاً في رأي خبير انتخابي على وقع جدل بيزنطي بين وعد الوزير باسيل بقانون جديد في كانون الثاني المقبل واستعدادات الوزير المشنوق لإطلاق العملية الإنتخابية في «Janvier».