لا يختلف متدبران حريصان على الإسلام أن حربا ممنهجة ومنظمة يتم تنفيذها ضد كل شيء إسمه دين . فمبادئ الدين - سواء الإسلام أو المسيحية والتي تربط الإنسان بخالقه وتحُضُّه على التَّمسك بمنظومة قِيَمٍ قَيِّمَة- باتت عرضة لحملة تدمير ممنهجة وبأساليب مُموَّهة بزينة الحضارة والتطور والمساواة بين الذكر والأنثى (وحدة الدور) وحرية الرأي وحرية الفرد بأن يفعل ما يشاء ما لم يكن فيه أذيَّة للغير !!
 
 
فبعدما تم تدمير المبادئ الدينية المسيحيَّة القَيِّمة في الغرب المسيحي بعد حربين عالميتين مُدَمِرَتين تم تنفيذهما زورا "بإسم الصليب" الذي هو رمز الديانة المسيحية الحالية ليوُهِموا الناس هناك أن الدين جَرَّ عليهم الخراب العظيم والقتل الذريع، بدأ تنفيذ نفس المشروع وبنفس الأسلوب ضد المبادئ الإسلامية القَيِّمَة . ععندما وجد شياطين الغرب أن مبادئ الإسلام الصحيحة والطيبة مازالت هي الوحيدة التي تقف جبلا راسخا في وجه تطويع المسلمين ليكونوا خدماً لحكام الشر في الغرب والشرق، قاموا باستحداث منظمات "إسلامية" كداعش، وأوكلوا إليها تنفيذ ممارسات إجرامية مهولة بإسم الدين وتحت شعاراته، ثم حَفَّزوا الحركات الإسلامية في المذاهب الأخرى ليقوموا بالتصدي لهؤلاء، ثم مَوَّلوا وسلَّحوا هذه الجماعات الإسلامية كافة، لكنهم منعوا أيّاً منها أن تحرز نصراً حاسما على الأخرى، لأن الهدف هو تدمير البلاد وقتل وتهجير العباد بيد الإسلاميين المتناحرين، وإراءة أبناء الأمة الإسلامية أن الإسلام الذي ورثوه عن آبائهم ليس سوى شريعة إجرامية تدمر ولا تبني وتقتل ولا تُحيي وتشرِّد ولا تؤوي !!
وقد حرَّك مدير هذا المخطط كل أدواته الإعلامية المزروعة بيننا، وحرك النُّخَب الثقافية الباحثة عن اللحاق بركب الحضارة الغربية الحديثة المتفلتة من كل مبادئ الأديان التي تؤلف بين القلوب، واكتفوا بمجموعة قوانين لتنظيم شؤون الجسد وملذاته بعد إماتة الروح ومشاعرها الطيبة . فبدأت هاتان الأداتان بتمرير المشروع الشيطاني بأسلوب مُنَمَّق في أعين الناس البسطاء، وبدأنا نرى الإنهيار الثقافي والقِيَمي عند شبابنا وبناتنا على كل مستوى، وبات مجرد الحديث عن المبادى الدينية يثير الإشمئزاز في نفس السامع الذي سرعان ما يتذكر الممارسات الإجرامية للحركات الإسلامية عند سماع إسم الإسلام وشريعته !!
 
 
 
وكل هذا هو تمهيد لِسَن قوانين في البلاد الإسلامية تمنع التظاهر بالدين وتجعل مبادئه وقوانينه مجرد حالات فردية يُمنَع التظاهر بها خارج البيوت بعدما باتت سببا لخراب البلاد والعباد، كما يتم تصويرها اليوم !!
فالحركات الإسلامية المتنازعة اليوم هي نوعان، نوع يدافع عن الدين وهو صادق في مدَّعاه فيما بينه وبين نفسه، ونوع آخر دوره تنفيذ المؤامرة واستجرار الحركات الإسلامية الأخرى للنزاع ومشاركته في التسبب بتدمير البلاد ولصق التهمة بنفس الدين ومبادئه، وهذا ما نجحوا به . إلا أن هذه الحركات الإسلامية كلها واقعة في فخ المشروع الشيطاني الهادف إلى إظهار الدين بمظهر المخرب للمجتمعات والمدمر للثروات . ومن هنا كان التأكيد الدائم من سنوات للرئيس الأمريكي أوباما بان هزيمة داعش "تحتاج لثلاث سنوات" على الأقل، وكلامه هذا كان تأكيدا على حقيقة دور داعش في استجرار الحركات الإسلامية من كل المذاهب إلى ساحة الحرب وإعطائهم جميعا الوقت اللازم ليتسببوا جميعا وبإسم الدين بخراب البلاد وقتل العباد كما هو المخطط المرسوم والذي تم ويتم تنفيذه بكل تفاصيله، للأسف !!
إن دور قادة الإسلاميين الصادقين مع أنفسهم والذين يقاتلون بإسم الدين دفاعا عنه -سواء كانوا أنظمة أو منظمات- أن يتعاملوا مع المرحلة على أنهم هم "أم الصبي" ويُفَوِّتوا على الأعداء هذه الفرصة التي يكادون أن يربحوا جولتها، ويفضحوا حقيقة هذه المؤامرة الشيطانية -الشرقية والغربية الرهيبة والخفية- على الإسلام ومبادئه القَيّمَة، وأن يلتفتوا إلى أن أتباع الحركات الإسلامية التي يتصارعون معها، فيهم الكثير إن لم أقل الأكثر من المضَلَّلِين، وأن هؤلاء يقاتلون ظنا منهم أنهم على الحق المبين، وهذا بحد ذاته مدخل وباب واسع وعظيم للتواصل معهم وثنيِهم عما يقومون به، وكسب قلوبهم وجَرِّهم إلى معسكر الخير وإخراجهم من معسكر الظلام .
إن جميع الإسلاميين مهزومون في هذه الحروب ولو توهم بعضهم أنه انتصر بسيطرته على هذه البقعة من الأرض أو تلك، فإن المخطط أعظم من هذه الجزئيات والتفاصيل التي يراد لنا أن نغرق فيها، وإن إنقاذنا ﻷولئك المغرر بهم لا بد أن يكون عبر إرائتهم أن البديل هو مشروع إسلامي أيضا لا مشروع علماني مدني لاااا دين له، فهؤلاء عقائديون وتحركهم فطرة الإيمان بالله تعالى، وإن كانوا قد أضلوا طريق تطبيق هذه الفطرة الطيبة، وهم لن يتنازلوا عن منظومتهم الفطرية لمنظومة قوانين وضعية تخالف صريح القرآن وتشريعات الرحمان الذي يدينون به تعالى وبشريعته التي لا تقبل شريكا لها في التشريع !!
أن يرسل والدان طفلتهما لتفجر نفسها، فهذان صاحبا عقيدة لن يتمكن أحد من إقناعهما بترك القتال ما لم يريهما أن الحياة الدينية التي يريدان أن يعيشوها هي حق لهما وهي مطلب الكل . أما أن تخرجهما من الإسلامية -التي يعتقدان بها وأن بتركها نار الله الموقدة- إلى علمانية الأنظمة التي لم تقل إجراما عن جرائم بعض الحركات الإسلامية، فهذا ما لن يتمكن أحد من إقناعهما به، وهو لن يحصل قبل أن تنتهي أمة المليار !!
من الضروري أن يلتفت قادة الإسلاميين إلى أن مقابل كل مسلم الآن يوجد سبعة من غير المسلمين، وإن الحركة الإلحادية العالمية -التي باتت تتحكم بأقوى حكومات الأرض- يتربصون بجميع المسلمين فردا فردا، وأنهم لا يميزون بين مسلم وإسلامي أو بين مذهب وآخر، وهمهم إبادة الإسلام كعقيدة ومنهج حياة تمهيدا لتغيير عقيدة المسلمين الذين بدأ الكثير منهم يغيرون عقيدتهم ويعتنقون عقائد أخرى لا تشكل خطرا على مشاريع شياطين الأرض الإلحاديين .
أيها الإسلاميون، لقد أعطتكم نسبة كبيرة من المسلمين ومن كل المذاهب زمام أمورهم، فلا تخرجوهم من النور إلى الظلمات، فما يراد لنا أن نراه نورا قادما من الشرق أو الغرب هو ظلمات بعضها فوق بعض، وما يراد لنا أن نراه ظلمة هو الإسلام نفسه الذي ضحى من أجله مائة وأربعة وعشرون ألف نبي ومثلهم من الأوصياء وأضعاف أضعافهم من العلماء والصالحين على مر التاريخ . فلا تضيعوا معاناة نوح العظيمة وصبر أيوب العجيب وجهاد إبراهيم ومحمد والآل عليهم جميعا من الله الصلوات .
مهما جرى ومهما حصل ومهما قيل حتى الآن بين أبناء الأمة الإسلامية، فإن الإسلام وشريعته سيبقيان غاية كل عاقل رشيد يعمل على إسعاد مجتمعه في الدارين .
ومن هنا، فأنا أدعوا قادة الإسلاميين من الشيعة والسنة إلى الإلتقاء والتواصل والتحاور بعيدا عن المسميات التي تطلقها كل فئة على الأخرى وتجعلها عنوانا يبيح لها قتالها، فإن الخطب جلل والمؤامرة كبيرة وخبيثة، وشياطين الإنس والجن يتربصون بالكل، ولا يرضى هؤلاء الشياطين الماكرون إلا بالتضحية "بالإسلام" نفسه كذبيحة على مائدة الصلح بيننا وإعطائنا أمننا . فلا تعطوهم بغيتهم الباغية !!
قال الله تعالى موجها كلامه لأمة الإسلام :
{وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون} [آل عمران- آية 104]