لقد أمات الجميع ثورة الأرز وعلى المشيعين أن يصرخوا وحدوا .
 

مع التفاهم الذي أدّى الى انتخاب رئيس وتعيين رئيس وتشكيل حكومة ممثلة للقوى المتفاهمة على الوطن والمتقاسمة للدولة لم يعد هناك وجود لجماعتيّ 8 و14 آذار رغم أن الأولى ربحت معركتها الداخلية في حين أن الثانية عوضت خسارتها بحصّة مقبولة جعلتها في سلطة مدروسة الخطوات والكلمات وهذا ما شيع أحزاب 14آذار الى المثوى الأخير وأنهى وجود طرف مقابل طرف أو جهة مقابل جهة وبات الجميع سواسية و أخوة في سلطة مجتمعة لخدمة الانتخابات القادمة حرصاً منهم على تجديد الهوية الانتخابية بالطريقة المؤدية الى إنتاج الطبقة السياسية نفسها من الممانعة الى السيادة .
وحده حزب الكتائب دفع فاتورة التفاهم وأنهكه وأهلكه حلفاؤه من تيار المستقبل الى حزب القوات وبات مغلوباً على أمره ورغم صيحات الموت يعد بمفاجآت انتخابية وهو في موقع لا يُحسد عليه فهو لا بالسلطة ولا يملك إمكانية المعارضة ويبدو أن التيار الحرّ والقوّات في عجلة من أمرهما للقضاء على إرث العائلة وحصر التمثيل الماروني بهما كونهما غالبية وأغلبية السواد الطائفي .

إقرأ أيضا : ١٤ آذار ، لا قُدّاس ولا جنّاز ولا مجلس عزاء


ساعد سعد الحريري على نهاية ثورة الأرز بوضع يده بيد أخصامه وترك حلفائه من جيل الحرية ممن استهوتهم الخطب الرنانة والشعور بعظمة كتابة التاريخ من موقع الريادة والقيادة لمرحلة ظنّوا أنها مؤاتية لكسب الرهان التاريخي في بلد لا يُكتب بيد أبنائه بقدر ما يُذبح بأيديهم . ومن ثمّ أعان الشيخ سعد على دفن حقبة مضغوطة بالشعارات الوطنية والرومانسية الجديدة لجيل لم يشته الثورة بقدر ما اشتهى التغيير السريع لتحسين شروطه الاجتماعية والسياسية .
لقد كسب سعد الحريري رهان السبق لا في الرئاسة فحسب بلا في التمثيل السياسي الطائفي والوطني عندما قرر أن يعطي ما في اليمين ليأخذ ما في اليسار خاصة وأن الموجات الطائفية الجديدة هي موجات متطرفة ولا مكان فيها للمعتدلين وخاصة في الوسط السُني نتيجة إحباط داخلي وشعور بفقدان المسؤولية وانسجاماً مع ما يجري في المنطقة من حرب ضروس تسهم فيها العصبيات الطائفية والمذهبية بقوّة وبفعالية حركت وغذّت الشعور بالانتماء الى الهويات الصغيرة .
يبدو أن المرحلة القادمة قائمة على تعاون أكيد بين محتويين سياسيين لا ثالث لهما في لبنان لتكريس قوّة الطبقة السياسية القائمة وعدم السماح بغزوها لا من الداخل ولا من الخارج وثمّة إلحاح كبير على هضم المسائل الحلافية والشائكة بين هذين التيارين الممسكين بالسلطة السياسية بغية تعزيز فرص السلم الأهلي لأنه ركيزة القوى الفاعلة وحاجتها الملحة لأمن يغطي أدواراً أكبر بكثير من حجم الخلاف القائم على أساس المنازعات الداخلية .
لقد أمات الجميع ثورة الأرز وعلى المشيعين أن يصرخوا وحدوا ..