يعتبر البيان الوزاري للحكومة بمثابة خطّة العمل لأي حكومة جديدة يتم تقديمها إلى المجلس النيابي لنيل الثقة،
وتنال الحكومة الثقة في المجلس النيابي على أساسه .
وكان البيان الوزاري على مدى عقود يعبّر عن هوية الحكومة والوزراء إذ يجري إقراره في الحكومة مجتمعة وترفعه هي إلى مجلس النواب الذي يناقشه ويعدل فيه إن شاء و من ثم يقرّه المجلس مجتمعا.
في لبنان ومنذ العام 2005 أصبح البيان الوزاري مجرد بيان سياسي يقتصر على موقف الحكومة من بعض القضايا والاحداث المطروحة على الساحة الداخلية، وغابت عن البيان أي خطط أو برامج أو مشاريع خصوصا على الصعيدين التنموي والاقتصادي .
وفي مراجعة بسيطة لبيانات الحكومة منذ العام 2005 حتى اليوم يتضح تكرار الخلل واقتصار البيانات الحكومية على الشعارات السياسية فقط .
 
ميقاتي 
نالت حكومة الرئيس ميقاتي الأولى الثقة في نيسان 2005، على أساس أوّل بيان وزاري بعد انتهاء حقبة "الهيمنة السوريّة". غرق البيان الوزاري بشعارات المرحلة السياسيّة، من إنسحاب الجيش السوري إلى شرعيّة سلاح المقاومة والمحكمة الدوليّة ومصير قادة الأجهزة الأمنيّة وقانون الانتخاب. وعلى أي حال كان البيان الوزاري في قمّة صراحته حين شدّد على أنّ الحكومة لن تغدق الوعود بالمشاريع التي تقترح تنفيذها. 
هكذا، غاب عن البيان أي مشروع أو فكرة مشروع يُعنى بالإقتصاد أو الهم المعيشي للمواطن، باستثناء جملة وحيدة ومقتضبة في نهايته تشدّد على الحفاظ على الاستقرار النقدي وإنعاش الدورة الإقتصاديّة.
السنيورة
شكّل الرئيس فؤاد السنيورة أولى حكوماته بعد انتخابات حزيران 2005، ببيان وزاري أكثر شرحاً وانتظاماً، وبنود شملت أغلب أوجه عمل الحكومة. لكن الاستطراد في تعداد العناوين الفضفاضة والعريضة في بيان حكومة السنيورة لم يشمل أي اقتراحات فعليّة تضيف على العنواين المعتادة في السياسة اللبنانيّة والإعلام.
يعدد البيان مثلاً محاربة الفساد والشفافيّة، الإصلاحات واستعادة الثقة بالإقتصاد والتنمية المتوازنة والمستدامة وإعادة إنخراط لبنان في الإقتصادين العربي والعالمي. ويبدو واضحاً أن تعداد الشعارات هذه (مع شرح المعاني) لا يرافقه أي خطّة أو آليّة في أي من تلك المجالات بما يضيف على ما يسمعه عادةً اللبنانيّون من المسؤولين عند كل مناسبة. 
وتبدو العموميّة والإنشائيّة أوضح في المقطع الذي يتناول تعزيز ودعم القطاعات الزراعيّة والصناعيّة والخدمات وإقتصاد المعرفة وغيرها من القطاعات، إذ لا يشمل البيان أي أدوات يمكن استعمالها فعلاً في دعم تلك القطاعات. ولا يشمل البيان أي وعود بخصوص خطوات ملموسة أو قوانين أو مراسيم أو تعزيز واستحداث إدارات معيّنة من أجل تنفيذ تلك الوعود. 
يتابع البيان على هذا المنوال، باستثناء الكلام عن الدين العام، إذ ذكر بوضوح خطّة السنيورة لخصخصة قطاعات الاتصالات والكهرباء والطاقّة. وهي خطّة لم يتم تنفيذها بالتأكيد نظراً لمعارضة العديد من شركاء السنيورة داخل الحكومة نفسها هذه الخطط. ما يطرح مجدّداً جديّة تعامل القوى السياسيّة مع البيان الوزاري كبرنامج حكومي لا كلاماً إنشائياً، في ظل مشاركة قوى في الحكومة لا تتوافق مع أبرز نقاط بيانها الوزاري. 
السنيورة الثاني
نالت حكومة السنيورة الثانية الثقة في آب 2008، في ظل مناخات ما بعد إتفاق الدوحة، وعلى أساس بيان وزاري لم يختلف كثيراً عن سابقه في شموليّته واستطراده وقد عدّد العناوين من دون تفصيل خطط جديدة وجديّة. واللافت أنّ حكومة السنيورة الثانية لم تغفل عن ذكر استمرار الجهود في اتجاه خصخصة قطاعات الكهرباء والاتصالات، رغم عدم تحقيق أي تقدّم في هذا المجال في الحكومة الأولى. 
ومن المفيد ذكره أنّ تطابق أفكار هذا البيان وبنوده مع بيان حكومة السنيورة الأولى يظهر عدم تفاعل البيان الوزاري مع التجربة الحكوميّة السابقة. إذ من المفترض أن يتم تطوير أي برنامج مع التجربة السابقة وإخفاقاتها وإنجازاتها، كما مع المشاكل الجديدة الذي ظهرت خلال هذه الفترة.
الحريري
بعد الانتخابات النيابية في العام 2009، شكّل الحريري حكومته الأولى، مع بيان وزاري لم يختلف في خطوطه العريضة مع البيانين السابقين لحكومتي السنيورة. أعاد البيان ذكر خطط الخصخصة بالصيغة نفسها، كما خطط مكافحة الفساد والشفافيّة ومكننة الإدارة من دون تحديد آليّات جديدة تختلف عن الآليّات المتّبعة، التي تم في ظلّها ممارسة الفساد الإداري منذ انتهاء الحرب. تم اختصار- مثل البيانات السابقة- بند الكهرباء بـ"وضع برنامج تنفيذي لإصلاح الكهرباء"، من دون أي تفصيل إضافي. ما يفتح باب السؤال عن جديّة هذا البند البسيط والمقتضب لمشكلة مزمنة تسبّبت بتكاليف تساوي ثلث الدين العام. 
تميّز البيان بعموميّة أشد وأغرب في بعض البنود، مثل بند التنمية المستدامة، "لاسيما للفئات الأكثر عوزاً"، واستفادة اللبنانيين جميعاً من منافع النمو الإقتصادي، من دون توضيح أي فكرة أو برنامج ضريبي أو تنموي مرتبط مباشرةً بهاتين الفكرتين أو طريقة تحقيقهما، خصوصاً أنّ هذه البنود بحد ذاتها من الشعارات التي تتوافق عليها كل القوى السياسيّة، إنما لا يمكن أن نعتبر البيان الوزاري برنامجاً فعليّاً من دون خطط تنفيذ قابلة للتنفيذ. كما تكرّر الأفكار العامّة عن تحقيق النمو الإقتصادي وتطوير القطاعين الزراعي والصناعي.
ميقاتي الثاني 
نالت حكومة ميقاتي الثانية الثقة في تموز 2011، على أساس بيان وزاري تميّز عن البيانات السابقة بتعداده خطوات تنفيذيّة أكثر تفصيلاً في المجال الصناعي. فيذكر البيان مثلاً إقامة المدن الصناعيّة وتطويرها. ويتحدّث عن مصادر الطاقة البديلة وربط البرامج الأكاديميّة بحاجات السوق الصناعية وغيرها من الأفكار الجديدة والمختلفة عن البيانات السابقة. أمّا في مجال الاتصالات فغياب تيار المستقبل عن الحكومة غيّب عنها الخصخصة كخطّة. 
وفي كل الأحوال، لم يتوسّع البيان كثيراً في خطط معالجة أزمة الدين العام وماليّة الدولة، باستثناء أفكار عامّة وسريعة عن ضبط الدين العام، كما كانت الأفكار عموميّة جدّاً في ما يخص كهرباء لبنان وضرورة إصلاح ماليّتها وإخراجها من العجز.
سلام
أمّا حكومة الرئيس تمام سلام، التي نالت الثقة في آذار 2014، فكانت الأكثر تواضعاً وبساطة في بيانها الوزاري، إذ تشكّل مقدّمة سلام عن السلم الأهلي ووحدة الدولة ومناخات الحوار الإيجابيّة وغيرها نحو نصف البيان الوزاري. ثم يمر البيان بسرعة فائقة على بضعة أفكار إقتصاديّة سريعة مثل الحوار بين أرباب العمل والعمّال لحل "المسألة المعيشيّة"، و"تحريك" القطاعات الإقتصاديّة الرئيسية و"التمسّك" بالثروة النفطيّة. وكما في بيان حكومة ميقاتي الأولى، تصارح حكومة سلام اللبنانيّين بعدم القدرة على تقديم الوعود الكبيرة.
يبدو واضحاً أن أيّاً من البيانات الوزاريّة لا يرقى لأن يكون برنامج عمل حكومة متكامل، وبالتالي يبرز السؤال الأهم: أليس من المفترض أن يتم منح الثقة أو حجبها في المجلس النيابي على أساس البيان الوزاري؟ وأي جديّة يعكسها مجلس نيابي يُسائل الحكومة على أساس الحصص والأحجام فيها، ولا يضع أي اعتبار لجديّة وتكامل بيانها الوزاري؟