تشهد الساحة اللبنانية تحولات جوهرية في بنية التحالفات السياسية، وبات هناك شبه إجماع من طرف القوى اللبنانية على نهاية تحالفي 8 آذار و14 آذار، وأن البلاد باتت محكومة بقاعدة “لا غالب ولامغلوب” وإن كان الكثيرون يتشككون في ذلك على ضوء التشكيلة الحكومية المنبثقة من مشاورات طغت عليها المسحة الطائفية، فضلا عن انعكاسات التطورات الميدانية السورية.
 
وأكد وزير الخارجية اللبناني، جبران باسيل، في تصريحات الأربعاء، أنه “لم تعد في لبنان اليوم اصطفافات، فصيغة 8 آذار و14 آذار انتهت”.
 
واعتبر باسيل أن “الحكومة الجديدة تمثل التوازنات القائمة حاليا بالبلاد، ومنها الأطراف المسيحية… وكل طرف أخذ حصته التي تتناسب مع تكوينه الطائفي وحجمه”، مشددا “لقد عادت الأوضاع إلى التمثيل الصحيح، مع ضرورة التأكيد على أهمية أن يتواصل هذا التحسن أكثر فأكثر بالمستقبل”.
 
من جهته جدد منسق الأمانة العامة لقوى 14 آذار، فارس سعيد، تأكيده، الأربعاء، على أن تنظيم 14 آذار على الأخص انتهى، فيما قضيته “بصفتها قضية شعب وقضية استقلال لبنان وسيادته ومعناه، لا تزال قائمة”.
 
وكان نبيه بري، رئيس مجلس النواب وأحد رموز تحالف 8 آذار، قد نعى في أكثر من مناسبة المعسكرين، في الأشهر الأخيرة.
وتشكل المعسكران قبل نحو 11 عاما على خلفية اغتيال رئيس الحكومة رفيق الحريري في العام 2005، حيث انقسمت القوى السياسية في لبنان بين خط موال لدمشق (المتهمة بالاغتيال) يمثله فريق 8 آذار وخط آخر مناوئ لها وهو 14 آذار يرفض وصايتها على البلاد.
 
وتعمق هذا الانقسام السياسي الحاد بين الفريقين خلال السنوات الأخيرة خاصة مع اندلاع الأزمة السورية، ولكن التحولات الدراماتيكية في الإقليم والداخل اللبناني أفضيا إلى إعادة خلط الأوراق مجددا.
 
ولعل بداية الحديث عن نهاية المعسكرين كانت بقرار سعد الحريري رئيس تيار المستقبل، الذي يقود تحالف 14 آذار، تبني ترشيح سليمان فرنجية رئيس تيار المردة (منضوي ضمن حلف 8 آذار) وذلك في نوفمبر 2015، لترد عليه القوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع بتبنى وثيقة إعلان نوايا بينها والتيار الوطني الحر ترجمت لاحقا في عدة محطات.
 
ولعل أبرز هذه المحطات إعلان جعجع دعمه ترشيح الجنرال ميشال عون لرئاسة الجمهورية، ودخول الجانبين في تحالف في الانتخابات البلدية.
 
ومعلوم أن رئيس القوات الذي يلقبه أنصاره بـ“الحكيم” قد لعب دورا رئيسا في إقناع الحريري بإعادة النظر في موقفه وتبني ترشيح عون، بالمقابل يضمن له الأخير حصة وازنة في الحكومة وهو ما جوبه برفض شديد من قبل حزب الله وحركة أمل خصوصا.
 
وتمكن عون من كسب الرهان وفاز في الانتخابات مع معارضة بري وفرنجية وبعض قوى 8 آذار الأخرى له، وحزب الكتائب (14 آذار)، فيما نجح الحريري في الحصول على رئاسة الحكومة وشكل حكومته التي أطلق عليها حكومة وفاق وطني، وإن رآها البعض تكرس حضور وهيمنة محور إقليمي وهو دمشق-طهران.
 
وعلى صعيد التحالفات السياسية بدا واضحا أن هناك تقاربا ملموسا بين كل من التيار الوطني الحر والقوات والمستقبل قد يكون مقدمة لتحالف جديد وإن كان البعض يرى أنه من الصعب الجزم الآن بذلك، خاصة وأن هناك بين حزب الله والتيار البرتقالي تحالفا استراتيجيا يصعب تجاوزه في الظرفية القائمة على الأقل.
 
وفي مقابل ذلك يسجل تحالف فرنجية وبري وطلال أرسلان والحزب القومي الاجتماعي مع تقارب للكتائب مع هذا التحالف خاصة وأن الحزب الماروني يشعر بخذلان من القوات والمستقبل. وظل حزب الكتائب خارج التركيبة الحكومية الجديدة، حيث رفض أن تقتصر حصته على وزير دولة، وخير البقاء في المعارضة.
 
أما اللقاء الديمقراطي الذي يقوده وليد جنبلاط فيبدو أنه ما يزال في مرحلة انتظار إلى حين اتضاح الرؤية أكثر، مع العلم أن نقاط التقائه مع تيار المستقبل والقوات أكثر بكثير من محور بري فرنجية، ولعل قانون الانتخاب أحد الأمثلة على ذلك.
 
وفي ما يتعلق بحزب الله فما يزال يسعى لإمساك العصا من الوسط في ما يخص علاقته مع عون وبري وإن كان يبدو أقرب إلى الأخير.
 
وجدير بالذكر أن حزب الله حاول في الفترة الأخيرة رأب الصدع بين بري وعون وأيضا بين الأخير وتيار المردة، ولكن لا تبدو الأمور تسير بسرعة في هذا الاتجاه، في ظل الجروح السياسية التي سببتها الانتخابات الرئاسية وزادتها عمقا المشاورات الحكومية.
 
العرب