قيل الكثير عن الجدار الذي توقّف الجيش اللبناني عن متابعة بنائه حول مخيّم عين الحلوة الفلسطيني، بعد الاحتجاج الواسع للمنظّمات الفلسطينيّة داخل المخيّم وخارجه كما بعد اجتماع جهات سياسيّة وحزبيّة لبنانيّة.
 

فالبعض شبّهه بجدار الفصل العنصري الذي اشادته اسرائيل في مناطق عدّة من الضفة الغربية المحتلة، وطالب قيادة المؤسّسة العسكريّة بهدم ما بُني منه، وبالبحث مع القيادات الفلسطينيّة في بدائل تحول دون تحوّله مركزاً حصيناً للتنظيمات الإسلاميّة الشديدة التطرّف والموصوفة بالإرهاب، وتمنع محاولتها السيطرة عليه بالقوة التي تعني احتمال نشوب حرب أهلية داخله. والبعض الآخر طالب ببديل منه يبقي التواصل مع الجوار اللبناني وبحوار من أجل التوصّل إليه. كانت نتيجة ذلك التوقّف عن متابعة بناء الجدار ريثما يتوصّل المتحاورون إلى حل مقبول من الجميع. لكن الحل لا يزال غائباً. كيف ينظر الفلسطينيّون فعلاً إلى هذه المشكلة البادئة منذ أسابيع؟
يقول مصدر فلسطيني من "حماس" ذات العلاقة الجيّدة مع كل الفصائل الفلسطينيّة من "وطنيّة" إذا جاز التعبير على هذا النحو، ومن إسلاميّة متشدّدة ومُعتدلة والبعيدة من "الترهّل" الذي أصاب المنظّمات التاريخيّة، أن للحركة هدفين استراتيجيّين في هذه المرحلة. الأوّل جعل قطاع غزّة الذي تُسيطر عليه قلعة عصيّة على اسرائيل وخصوصاً بعدما شنّت عليه الأخيرة أربع حروب قاسية قتلت وهجّرت أعداداً كبيرة من أبنائه ودمّرت مرافقه ومنازل الناس بالجملة. ويعني ذلك بناء أنفاق لتسلّل المقاتلين إلى إسرائيل وتحسين صناعة الأسلحة، ومضاعفة التدريب ومساعدة الانتفاضات الشعبيّة على اسرائيل بكل أشكالها. أمّا الهدف الثاني فهو الاهتمام بفلسطينيّي "الإقليم" أي المقيمين في لبنان وسوريا والأردن وغيرها من الدول العربيّة. وربما يكون للذين منهم في لبنان الاهتمام الأول لأن فلسطينيّي سوريا أصابهم ما أصاب شعبها جرّاء الحروب المتنوّعة التي دمّرتها منذ نحو 5 سنوات، ولا مجال إلّا لمساعدتهم في أماكن لجوء معظمهم. ولبنان هو أبرز هذه الأمكنة.
إنطلاقاً من ذلك يقول المصدر نفسه إن "حماس" تبذل الكثير من الجهود لعدم الاسهام في زعزعة استقرار لبنان كما في منع دخول النار السوريّة إليه. وهذا واجبها لأن دخولها يؤذي الفلسطينيّين اللبنانيّين. علماً أنهم وحدهم المؤهّلون لإدخال لبنان جحيم الحروب ولإبعاده عنه (وهل نَسي أن نازحي سوريا قادرون أيضاً على ذلك). وهذا الكلام ليس "تربيح جميلة" كما يُقال في العاميّة. والهدف منه التأكيد للبنانيّين أن شعبنا "اللاجئ" إلى بلادهم يحتاج إلى السلام. فهو يريد أمناً ويريد حقوقاً أساسيّة. وهو موجود في لبنان كلّه وذلك يفيده. لكنه يستطيع أيضاً إيذاءه. وقد حصل ذلك في الماضي. طبعاً ليس هذا الكلام تهديداً لكنّه تعبير عن واقع وخصوصاً في ظل الحروب الطائفيّة والمذهبيّة والإرهابيّة في المنطقة والعالم التي يسعى دائماً مُشعلوها إلى استغلال كل العوامل التي يمكن أن تساعدهم في ذلك. الفلسطينيّون في لبنان لا يمكن أن يعيشوا في "غيتوات" وأن ينعزلوا أو يُعزلوا عن شعبه. و"الجدار" يحقّق ذلك. علماً أن المعلومات المتوافرة عند أكثر من جهة فلسطينيّة تشير إلى أنه مشروع قديم يعود على الأقل إلى خمس سنوات، وإلى أن الداعين إليه من المهتمّين بنفط لبنان وغازه في معظمهم الذي يبدو أنه بغالبيّته موجود في بحر "الجنوب".
لماذا الجدار؟ تتساءل "حماس" وتنظيمات فلسطينيّة أخرى. "فنحن كفلسطينيّين نستطيع بالتنسيق والتعاون مع الدولة اللبنانية تجنيب المخيّمات فيه اقتتالاً أهليّاً ومنع تحوّله بؤراً للإرهابيّين من أي نوع ولون. و"حماس" لها قدرة ومونة على الكثيرين داخلها، وهي من الذين عملوا لوقف الاشتباكات. طبعاً يحصل من حين إلى آخر اغتيال واطلاق نار واشتباك. لكنه يوقَف في سرعة. فضلا عن أن اعتقال عماد ياسين بعمليّة للجيش في "عين الحلوة" هل كانت لتنجح لولا "الجو" الذي وفّرناه كلّنا داخله؟ وهل تسليم المطلوبين الفلسطينيّين أنفسهم لـ"الدولة" كان يمكن حصوله لولا الجو نفسه"؟
في اختصار، يقول المصدر الفلسطيني نفسه، الاتصالات بين الفصائل والجيش مستمرّة. وهو منزعج ربما لاعتباره رفضهم الجدار رفضاً له. لكنّهم أكدّوا له عدم صحّة ذلك وأبدوا استعداداً لقبول "حماس" أي أبراج مراقبة. وأشاروا إلى أنهم لم يوافقوا على "الجدار" كما سُرِّب إلى الإعلام. وأكّدوا تأييدهم إجراءات الجيش، علماً أنه ينفّذها من زمان وهم ليسوا ضدّها أو ضد زيادتها وتعزيزها. لكنّهم يتساءلون: ألا يستحقّ الفلسطينيّون وزير دولة لمعالجة شؤونهم مثل النازحين السوريّين؟