بالرغم من أن العماد ميشال عون أدرك أمنيته بانتخابه رئيسًا للجمهورية، إلا أنه بدا واضحا أن رياح القصر الرئاسي جرت بما لا تشتهيه سفن زعيم التيار الوطني الحر. وظهر ذلك من خلال الخطوط الحمر التي ارتسمت بوجه تشكيل حكومة العهد الجديد.
 


لا شك أن حلم العماد ميشال عون لم يقف عند حدود انتخابه رئيسا للجمهورية، بل يرتقي إلى مستوى أن يكون عهده علامة مضيئة في تاريخ لبنان عامة وفي التاريخ المسيحي على وجه الخصوص طمعًا في تخليد اسمه على لائحة الرؤساء الذين تركوا أثرًا في الحياة السياسية اللبنانية لجهة صيانة الدستور والحفاظ على صيغة العيش المشترك والتأسيس للنهج الوطني بالتخفيف من غلواء الطائفية السياسية وذلك بإنشاء مؤسسات وإدارات تعتمد معايير الخبرة والكفاءة للحد من الفساد والمحاصصة والصفقات المشبوهة على غرار المجالس والمديريات التي تم إنشاؤها في عهد الراحل الرئيس فؤاد شهاب كمجلس الخدمة المدنية ومديرية التفتيش المركزي وغيرها من المؤسسات الأخرى التي ميزت عهده عن باقي العهود السابقة وحتى اللاحقة. 
فمنذ العام 1988 وعندما تم تعيينه رئيسا لحكومة انتقالية وحلم العماد عون تولي سدة الرئاسة، ولأجل ذلك فإنه غير الكثير من مواقفه الجذرية، وتراجع عن الكثير من شعاراته ومواقفه تبعًا لظروف المرحلة التي تخدم هذا الحلم، وتنقل بين أكثر من موقع سياسي محلي وإقليمي وحتى دولي. وكان في بعض الأحيان يرفع عنوانًا ثم يرفع نقيضه في أحيان أخرى وفي فترات تالية، إلى أن تموضع أخيرًا في حلف مع حزب الله في ما أطلق عليه ورقة تفاهم كنيسة مار مخايل، وضمن منظومة قوى الثامن من آذار كفريق سياسي وكأحد طرفي الصراع على الساحة الداخلية اللبنانية 8 و 14 آذار، وأصبح لزامًا على العماد ميشال عون أن يتقيد بنهج حزب الله وراعيته إيران، ويرفع شعار مقاومة إسرائيل ويلتزم بما يقرره الحزب في سياساته الداخلية والإقليمية كانخراطه في الحرب السورية بذريعة أنها حرب استباقية على الإرهاب والتكفير. 

إقرأ أيضا : حزب الله وعون الرئيس


وفي السياق ذاته فإن العماد عون استقر في متراس استعادة الدور المسيحي في لبنان، وإن بالأسنان والأظافر، وكما عبّر عن ذلك صهره المدلل والمشاغب رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل. 
وقد يراود العماد ميشال عون شعورًا أو قد يظن نفسه أنه الرئيس المسيحي القوي مستندًا في ذلك إلى جملة معطيات.، أولها تحالفه مع حزب الله، وثانيها الاتفاقية التي تم توقيعها في معراب بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية والتي تضمنت دعم الدكتور سمير جعجع ترشيح عون للرئاسة، وثالثا، تبنّي دعم رئيس تيار المستقبل سعد الحريري هذا الترشيح. 
وهذه كلها معطيات وعوامل بنى العماد عون حساباته عليها ليرسخ في الأذهان أنه الرئيس القوي. وظن أنه بوصوله إلى قصر بعبدا قد يمتلك حرية التصرف وحرية اتخاذ القرارات في الكثير من الأمور الصغيرة والكبيرة أيضا، إلا أن تجربة تأليف الحكومة الأولى في عهده التي لن تعيش لأكثر من شهور معدودة، لا توحي أبدًا أنه يمتلك حرية التصرف وبأنه يمتلك حرية اتخاذ القرار، إذ أن العراقيل التي واجهت تشكيل حكومة العهد الأولى برئاسة سعد الحريري ما كان بالإمكان إزالتها لو لم يأتِ التسهيل من حزب الله الذي يمتلك مفاصل اللعبة السياسية الداخلية في البلد. 
فحزب الله الذي استطاع أن يعطل انتخاب رئاسة الجمهورية على مدى سنتين ونصف، والذي لعب دورًا بارزًا في تأخير تشكيل الحكومة هو وحده الطرف الذي يستطيع أن يفرض شروطه على باقي الأطراف اللبنانية وإن بنسب متفاوتة، وهو القادر على التحكم بسياسة البلد في الداخل والخارج، وبالتالي فهو الذي يوزع الحصص الوزارية وفق المقتضيات التي تخدم توجهاته ومصالحه. 
وأما الرئيس ميشال عون، وإن كان في موقع الرئاسة، إلا أن قوته يستمدها من التزامه بما يمليه عليه حزب الله وما يفرضه على البلد. 
وعليه فإن الاتفاقات التي عقدها الرئيس ميشال عون مع القوات اللبنانية ومع تيار المستقبل وسهلت وصوله إلى الرئاسة، وحتى رئاسته لكتلة نيابية وازنة في المجلس النيابي، فإنها أمور ليس لها أي وزن في حسابات حزب الله، ولا تعطي أي زخم لعون كي يمتلك مواصفات الرئيس القوي.