الآن وقد ولدت حكومة الوفاق الوطني برئاسة سعد الحريري، وبصرف النظر عن تقويم الاسماء والتوازنات التي رست عليها
 

 يمكن القول إنها احتوت على الاضداد التي اجتمعت قبلا في حكومة الرئيس تمام سلام، وقد استبدلت حصة حزب الكتائب بحصة وازنة لحزب "القوات اللبنانية". عمليا، لم تتبدل كثيرا التوازنات، وربما كان المتغير الوحيد وصول الجنرال ميشال عون الى سدة الرئاسة، وتحوله من الاصطفاف الحاد ضمن منظومة قوى ٨ آذار، الى "وسطية" ما ينتظرها الكثيرون وسط حرب نفسية يشنها بعض ٨ آذار وإعلامهم لإدراج عون في خانة الاصطفاف الحاد والتموضع الحاسم تحت مظلة "حزب الله" والنظام السوري، تحت عنوان "حكومة ما بعد حلب". طبعا، في المقابل ثمة شعور حقيقي لدى فئات واسعة يتسم بكثير من الحذر والشك بتموضع عون، وبالتالي فإنه يلتقي من موقع الخصومة الحادة مع خطاب التشفي والاستكبار الذي يطلقه بعض "الهائجين"، ليعتبر ان هزيمة نكراء حلت بالفريق السيادي والاستقلالي.
ردا على ما تقدم، لا يمكن نفي أي من وجهتي النظر، ويستحيل الجزم مطلقا بأن الرئيس ميشال عون سيكون غير الجنرال ميشال عون، لكن ما يمكن الجزم به هو ان عون يدرك انه اذا لم يضطلع بدور الحكم، وادى دورا "وسطيا" بنكهته، فإن عهده سيفشل حتما، لان التركيبة اللبنانية لا تحتمل رئيسا من نوع اميل لحود، وان كان عون قد أتى ببعض عتاة عهد لحود وزراء. ففي النهاية يبقى هؤلاء وزراء الرئيس لا وزراء لحود، والرئيس ما عاد رئيسا لحزب سياسي يمتلك حرية في اقامة تحالفات من دون ضوابط. فالتحالف مع "حزب الله" لا يغني عون عن تحالف مع خصوم "حزب الله"، بدليل التحالف مع "القوات اللبنانية" والعلاقة الممتازة حتى الآن مع "تيار المستقبل". ولذلك نقول إن الواقع السياسي اللبناني الراهن بتوازناته وتحالفاته هو تحت الاختبار الدقيق، وان ٨ آذار لم تحقق الانتصار الذي يزعمه البعض، وان تكن حققت تقدما كبيرا على طريق الإخلال بالتوازن.
لكن الأهم بالنسبة الى الشارع السيادي والاستقلالي يبقى في التمعن طويلا في الخيارات الممكنة التحقيق، كالبحث جديا في سبل إحياء تحالف ١٤ آذار بصيغة جديدة ومختلفة وخلّاقة، لا تكون بمثابة إعلان حرب على الفريق الآخر بمقدار ما تكون أقرب الى صيغة "اللقاء" الذي يبقي للاطراف المشاركة فيه حرية الحركة والمناورة. هذه هي الصيغة الوحيدة الممكنة حاليا، مع قلة حماسة أحزاب ١٤ آذار السابقة للانضواء في تحالف بالصيغة السابقة. وإحياء ١٤ آذار بصيغة جديدة هو إيجابية كبرى للحفاظ على توازنات دقيقة، وللحفاظ على عهد الرئيس عون وتزخيم دوره الوسطي المطلوب بإلحاح.
في مطلق الأحوال، شكلت الحكومة وبدأت معركة قانون الانتخاب. هنا الاساس وهنا "الجهاد الاكبر"!