الشيعة تحكمهم ثنائيّة من حزب الله وحركة أمل.
 

والشعور بالندم لانتخاب الأول العماد ميشال عون رئيساً للجمهوريّة يستبعده الكثيرون. ذلك أن "الحزب" أفاد من تحالفه معه عام 2006 لإعادة التوازن مع فريق 14 آذار، وللانطلاق من ذلك للتفوّق على الآخرين كلّهم في البلاد جرّاء تطوّرات إقليمية "أثمرت" أخيراً انتصاراً مدويّاً له. كما أنه نجح في نسج علاقة وثيقة مع الكوادر المتنوّعة من "تيّاره" وجمهوره المسيحي الواسع، وساعد في توفير الكثير من المكاسب لهم. أمّا الشعور الذي قد يكون راود ولا يزال يراود "حزب الله" فهو ضرورة عدم ترك أي فرصة للتطوّرات السلبيّة أو للصدف أو للمصالح كي تشلّحه المكاسب التي حققها بانتخاب عون رئيساً والأخرى التي يسعى إليها. ويعني هذا الأمر بصريح العبارة أنه "ليس مستعدّاً لوضع رقبته تحت يد" عون أو غيره وإن كان بعضهم من "عظام الرقبة". ولا يعود ذلك إلى شكوك مبرّرة بمقدار ما يعود إلى طبع وإلى حرص على الأمان وربما إلى اقتناع بالمثل العامي الذي يقوله "لا تنام بين القبور ولا تشوف منامات وِحشة". ومن الأرجح أن يكون ذلك سبب تأخّر ولادة الحكومة حتى الأحد الماضي، علماً أن المعطيات المتوافرة لا تتوقّع "إنقلاباً" من عون على "الحزب" ما بقي على قيد الحياة. وهو الذي نُقل عنه قوله لأمينه العام السيد حسن نصرالله في مكالمة هاتفية بعد انتخابه: "دينك في رقبتي مدى الحياة". كل ذلك لمسه اللبنانيّون يوم سمعوا النائب علي فياض يصرَّح بعد اجتماعه بالنائب "الحرّ" ألان عون: "النسبيّة الكاملة ممرّ إلزامي للانتخابات. وموقف "الحزب" و"التيار الوطني الحر" واحد حول قانون الانتخاب والنسبيّة الكاملة". ثم بعدما سمعوا عون يقول: "أن "التيار" و"التكتل" ينطلقان من النسبية الكاملة في قانون انتخاب يؤمّن تمثيلاً للجميع".
لكن على "حزب الله" أن ينتبه هنا. فإعادة "الاعتبار" إلى حليفه النائب سليمان فرنجية بوزارة وازنة، مع توزير حلفاء آخرين لا مكان لهم في حكومة الـ 24، تساعد ليس فقط لامتلاك ثلثٍ ضامنٍ في رأيه ومعطّلٍ في رأي أخصامه من دون وزراء "الرئيس" و"تيّاره" بل لامتلاك قرار الحكومة بالكامل. لكن مصلحته تقتضي إعادة فرنجية إلى "الذكاء الفطري" الذي أظهره أكثر من مرّة وإلى التعقّل، لأنه لا يستطيع احتمال تحدّيه واستفزازه العلني لحليفه المسيحي الأوّل الرئيس عون. وهو سيفعل ذلك.
ماذا عن "أمل" واحتمال أن يراودها الشعور بالندم لوصول عون إلى قصر بعبدا؟
لا مكان للندم عند رئيسها نبيه برّي لأنه لم يؤيّده ولم ينتخبه. ولو استطاع إقناع "مرجعيّة" "الثنائيّة" بعدم وجود مصلحة للشيعة في انتخابه لما كان عون رئيساً. لكن موقفها سمح له ربّما بأن "يبالغ" في مواقفه الحكومية أو ربّما في شروطه المؤيّدة من شريكه "حزب الله"، وتالياً أن يظهر استقلاليّته غير الماسّة بـ"الثنائيّة". في اختصار كان لقب الرئيس برّي منذ دخول معترك الحزبيّة والسياسة "الأستاذ". لكن لقب "دولة الرئيس" غلب بعدما حصل على رئاسة مجلس النواب عام 1992 واستمر فيها حتى الآن. لكن عارفيه ومحبّيه يفضّلون اللقب الأول. فهو "أستاذ" في "شراكة" القرار، و"أستاذ" في اتخاذ القرار وتنفيذه، و"أستاذ" في تنفيذ قرار لم يتّخذه. لكنّه في المرحلة الأخيرة تجاوز اعتداله إمّا لأن المرحلة عصيبة، وإمّا لأن التطوّرات في المنطقة مالت بقوّة إلى مصلحته وشريكه. فهو قال أخيراً: "أنا أعرف حقيقةً أين هي المشكلة، (عقبة تأليف الحكومة) لا تستفزّوني وإلّا أعلنتها صراحة وقلت كل الحقيقة". وقوله هذا ليس جديداً. لكنه لم ينفّذه مرّة، فليفعل ويُرِح الناس على الأقل كي يعرفوا على أيّ "وتد" سيجلسون.
في اختصار دخل لبنان العصر الشيعي. وكان بدأ بعصر مسيحي أخذ مداه نيّفاً وثلاثة عقود. ثم أعقبه عصر سُنّي لم يكتمل أولاً بسبب شراكة فلسطينيّة ولاحقاً بسبب شراكة أسديّة. واللبنانيّون لا يستطيعون رفضه وإن لم تُحبّه غالبيّتهم. لكنّهم في حال كان كالقضاء والقدر الذي لا يُردّ فإنهم يتمنّون أن يُشبه من حيث التصرّف العصر المسيحي. إذ فيه كانت للمسلمين سُنّة وشيعة ودروزاً زعامات تاريخيّة قويّة. وكانت هناك دولة في الحد الأدنى شاركوا فيها. وكانت حريّة أنماط الحياة وما يرافقها محترمة. وما يخشاه المسيحيّون بل اللبنانيّون عصراً شيعياً على الطريقة الإيرانية وعصراً سُنّياً لا يمكن أن يتجاهل التطرّف. علماً أن البعض يعتبر الأول "الكحل" والثاني "العمى". والأوّل أحسن من الثاني على حد قول المثل. علماً أنه يقلّص المشاركة الفعليّة لا الشكليّة لغير الشيعة في النظام والدولة، في حين أن الثاني يُلغي كل من ليس جزءاً منه "إيديولوجيّاً".