لا شك أن المحور الذي يضم روسيا وإيران وميليشياتها العراقية وحزب الله اللبناني إلى جانب رئيس النظام السوري بشار الأسد وتدعمه الصين استفاد من فرصة ما يعرف بالوقت الأميركي الضائع وهي فترة ما بين الفوز في الانتخابات الأميركية، وتسلّم الرئيس الجديد المنتخب مفاتيح البيت الأبيض ومقاليد الإدارة الأميركية
 

 واستغلها إلى أخر الحدود في مدينة حلب التي تم استباحتها جوًا وبرًا وارتكاب مجازر دموية بحق المدنيين وتدمير المدينة العريقة اجتماعيًا واقتصاديًا وعمرانيًا بغية تثبيت مواقع عسكرية جديدة وفرضها على أرض الواقع بسبب غياب الولايات المتحدة الأميركية عن الوقائع الميدانية السورية وتلكؤها في اتخاذ قرار حاسم في الوقت الضائع. 
وهكذا هيأ هذا المحور أرضية جاهزة للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب تتلاءم مع رغبته في التخلص والتملص من ملف سوريا بعدما كانت دول هذا المحور قد استفادت كثيرًا من تردّد الرئيس باراك أوباما وعدم إقدامه على اتخاذ أي قرار حاسم في الشأن السوري حتى عندما استخدمت قوات الأسد السلاح الكيماوي ضد المدنيين. 
فكلا الرئيسين ترامب وأوباما متخاذل إزاء الملف السوري، وهذا ما دفع بأقطاب المحور وقوى عزيمتهم لحسم معركة حلب بأي كلفة ومهما بلغ الثمن. إذ أن إيران تعتبر حلب فوز لها وانتكاسة للدول العربية الخليجية المعارضة لها وبالذات المملكة العربية السعودية. 
أما روسيا التي دخلت في شراكة مع الصين، والتي تلعب دورًا من وراء الكواليس لتحديد مستقبل سوريا، على أن عنوان هذه الشراكة هو مكافحة الإرهاب، أما حقيقتها فتقوم على ضمان المصالح الاستراتيجية للحليفين في المنطقة العربية، وبالذات لمواجهة مصالح الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية ونفوذها. 
كذلك، فإن روسيا هادنت تركيا، وتمّت الصفقة بين الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان على أكثر من عنوان، إذ أن أردوغان دخل ساحة الحرب في سوريا لتنظيفها من خطر الأكراد فاستخدمها لسحق المنظمات الكردية التي يصفها إرهابية مستفيدًا من الصمت الروسي مقابل غض نظر من تركيا ومصر والدول الخليجية على المعركة الروسية في حلب بكل تجاوزاتها الدموية كإحدى أكبر المدن السنية. وهكذا كان السكوت التركي على روسيا بعد فسح المجال الروسي لتركيا بضرب الأكراد. 
أما إيران فإنها ستضمن لنفسها الجغرافيا التي تريدها في سوريا وتوصلها مع حزب الله في لبنان مع ضمان إقامة علاقة تهادنية مع إسرائيل بحيث يكون أحد القواسم المشتركة بين إيران وإسرائيل العداء للعرب. 
لذا فإن إسرائيل لم تحتجّ على التدخل الإيراني في العديد من أراضي الدول العربية، وهي لا ترى في ذلك تهديدًا لها وإلا لإنطلقت الاحتجاجات الإسرائيلية في كل مكان، وما يعني إسرائيل، وحسب خبراء عسكريين فيها، هو كيف سيوظف الرئيس بشار الأسد وحلفائه الإيرانيين وحزب الله هذا الانتصار في حلب. رغم أن خضوع حلب لا يعني نهاية الحرب الأهلية السورية أو اقتراب الحل السياسي. 
وفي رأي أكثر من معلق سياسي في إسرائيل وفي ظل تبدل موازين القوى لمصلحة الرئيس الأسد والتحالف الروسي الإيراني فإن هذا الواقع الجديد يحتّم على إسرائيل وضع خطوط حمراء واضحة وفرضها بالقوة وفي طليعة هذه الخطوط رفض أي وجود عسكري إيراني أو لحزب الله في منطقة الجولان المحاذية لإسرائيل. 
يبقى القول أن معركة حلب وما فعلته بموازين القوى الإقليمية والدولية على وقع انهيار المعايير والأعراف والقوانين الإنسانية تشكّل وصمة في جبين المجتمع الدولي بكافة مؤسساته ومنظماته، وسيبادر الجميع إلى مسحها بذريعة محاربة الإرهاب. وبالتالي فإنها لا تشكل خارطة طريق لإنهاء الحرب الأهلية السورية، والفوز بمعركة لا يعني بالضرورة الانتصار في حرب.