لم نتعلّم من المدرسة العربية وفي صفوف الأنظمة وعلى أيدي الحكام الكرام من الرجعيين إلى التقدميين سوى بعض المصطلحات التي سيطرت على عقولنا وبتنا أسارى دائرتها وخاصة في ما يتّصل بواقع الحروب التي تفتك بالشعوب العربية سواءً بواسطة المحتل والعدو الإسرائيلي أو من خلال محتلين وأعداء آخرين أو من قبل دول حليفة وشقيقة في الهوية والتاريخ .
 

منذ النكبة وصولاً إلى حلب والعرب يشجبون ويدينون ويستنكرون الجرائم المرتكبة بحق الفلسطينيين والسوريين ولا يتحرّكون لدفع الظلم ويكتفون بالكلمات وبالمشاعر الحزينة والدفينة في شنطة الدبلوماسية العربية من أسفل اليسار إلى أسوأ اليمين .

نعم تحرّك العرب عندما أراد لهم الغرب التحرك ضدّ بعضهم البعض وضدّ حلفاء الاتحاد السوفياتي آنذاك كما كان الحضور العربي مكثّفاً في دعم المجاهدين الأفغان ضدّ نظام نجيب الله والمحتل السوفياتي، وكرّت المشاركات العربية هنا وهناك على الضوء السماح أو الحاجة الأمريكية، كما كان حضورهم قوياً أثناء تحرير الكويت إذ اجتمع الجندي السوري والسعودي بقيادة ضابط أميركي لقتال جيش صدام حسين وتحرير الكويت من جاره العراقي الشقيق .

في اليمن أنشأت المملكة العربية السعودية حلفاً وتحالفاً عربياً هو الأوسع والأكبر في التاريخ والتجربة العربية لضرب جماعات صالح والحوثي بعد انقلاب منظّم على الشرعية اليمنية ومستهدف لأمن المملكة ولم تستطع المملكة حتى الآن إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الانقلاب الذي فتح باب الحرب الداخلية على أوساعه في اليمن .

 في سوريا ظلّ السوريون يلقون حتفهم جواً وبراً وبحراً دون تدخل مباشر واكتفوا بالتنديدات والتهديدات وسمحوا للروسي أن يعيث فساداً في سوريا دون أن يبادروا إلى إدانة دولة لا علاقة بها بشيء ولم يطردوا حتى سفراءها من دولهم وبقيت الجامعة العربية على سكوتها التام، ومنظمة التعاون الخليجي على مشاهدتها المؤلمة لحلب،وهذا ما دفع بالشعوب والنخب العربية إلى التعاطي مع المجازر السورية بإضاءة الشموع على قبور الضحايا .

يبدو أن الصمت العربي والتركي يدفع إلى تأديب من يحاول الخروج عن الحاكم الظالم وهم في ذلك يؤكدون تمسكهم بالاستبداد ولا يرضون عنه بديلاً، وإلاّ لما وقفوا هذه الوقفة المخزية تجاه شعب شردوه وضربوا معارضته من خلال جبنهم تجاه الدول التي تدعم النظام السوري، ومن خلال ضعضعة المعارضة السورية وتوزيعها حصصاً للبيع بين تركيا وقطر والمملكة، والاكتفاء بدعم غير متقدم لسلاح بائس ويائس وعاجز عن مواجهة الطائرات الروسية والسلاح الذي توفره روسيا وإيران وتقدمه للنظام لسحق المعارضة الجدية في سورية .

لقد علمتنا الحروب الإسرائيلية أنّ العرب والمسلمون يكتفون ببيانات ستكبّ إسرائيل في البحر، ومازالت الماكنة الإعلامية والدبلوماسية الرسمية العربية على نفس البيان الخطابي: مجرد تهويل في الكلام لا يصل ولن يصل إلى مستوى الفعل في يوم من الأيام، وفي كل يوم سنشهد حلباً أخرى وسنرى تنديداً وشجباً ونعياً عربياً وبكاءً وأنيناً على جُثث جديدة من شعب يُساق إلى الموت على رؤية وعلم من العالم الذي اكتفى بما اكتفى به العرب .