من خلال قراءاتي لشذرات من التاريخ العربي الحديث لم أجد في تاريخ العرب ما يمكن وصفه بالمنقبة المعتبرة التي تصلح لأن يتمسّك بها أي مواطن عربي ويتفاخر بها على باقي شعوب العالم، وحتى عندما سبرتُ أغوار الماضي لم أجد غير الحروب والقتل والإجرام وصراعات قبلية وتناحر على السلطة وحقد أعمى من الأخ على أخيه والانتقام منه والتعطش إلى الدم والاستقواء بالخارج ومهادنة الأعداء الحقيقيين للأمّة التي تصل إلى حد الاستسلام. 
وأنظمة أحاطت نفسها بأجهزة أمنية ومخابراتية وعسكرية تثير الرعب والهلع في قلوب شعوبها وتحصنت بسلطة مطلقة ألغت معها شرائع السماء وقوانين الأرض وكافة المعاني الإنسانية، فضاعت العدالة بين أعواد المشانق وغياهب السجون والزنازين واندثرت الفضائل والمكارم الأخلاقية تحت أقدام جنود مكلفين بملاحقة واعتقال أي مواطن ساقه حظه العاثر للنطق ولو بكلمة فيها نفحة من الحرية والاعتراض على ممارسات ظالمة وخاطئة. 
ومع أن كافة الرسالات السماوية وآخرها الرسالة الإسلامية نزلت في هذه المنطقة العربية ودعت إلى العدالة والتراحم والتعارف (إنا جعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم). وفيها أيضًا ولد كل الأنبياء والرسل وعاشوا وقاموا بتبليغ الوحي الإلهي الهادف إلى بناء الإنسان والمجتمع والوطن على أسس العدالة والخير والفضائل. 
ولكن، ومع ذلك، لم يكن لهذه المناقب أي مكان في بنية وممارسات الأنظمة العربية. بل استبدلت بوعود كاذبة وآمال كالسراب وكلام معسول وخطب رنانة على المنابر لا تغني ولا تسمن. وسلوك سبيل التملق والخداع لنيل ثقة الحاكم ورضاه والضرب بسيف السلطان على غير وجه الحق. 
وبالعودة إلى بعض المحطات البارزة التي تنمّ عن مدى التخاذل والانحطاط والإحباط في التاريخ العربي الحديث منذ العام 1948، عندما أحكم الكيان الصهيوني قبضته على دولة فلسطين والإعلان عن قيام دولة إسرائيل وتبلور ما أطلق عليه بالقضية الفلسطينية. لم نجد غير المتاجرة بهذه القضية ورواج مسلسل الانقلابات والاغتيالات باسمها وتحت شعارات التحرير التي شاعت في معظم الدول العربية وخصوصًا في تلك الدول المحيطة بفلسطين. وتم الإعلان عن النفير العام لرمي اليهود في البحر. فخاض العرب حربهم الأولى ضد إسرائيل التي لم يحصدوا منها غير الخيبة والخذلان والخيانة والتي شكّلت ذرائع للقيام بانقلابات عسكرية في بعض البلدان العربية قادتها أحزاب قدّمت نظريات وأطروحات باسم الديمقراطية والتقدمية والاشتراكية وقامت بثورات على أنظمة ديكتاتورية وتولّت الحكم ومارسته بشكل تعسّفيّ ودموي. فكانت أكثر سوءًا وإجرامًا وتفرّدًا بالحكم من سابقاتها. إلى أن وصلت الأمة العربية إلى محطة ثانية في حزيران 1967 ، حيث مني العرب بهزيمة نكراء بعد الحرب التي خاضوها ضد إسرائيل التي تمددت وتوسعت واحتلت أراضٍ جديدة من الدول المحيطة: صحراء سيناء من مصر، والجولان من سوريا، والضفة الغربية من الأردن، ومزارع شبعا من لبنان. 
والمحطة الثالثة كانت في حرب تشرين العام 1973، أيضًا بين العرب وإسرائيل وانتهت باتفاقيات كامب دايفيد التي حيدت مصر عن مسيرة الصراع العربي الإسرائيلي. والمحطة الرابعة التي لا تقلّ خذلانًا وانهزامية كانت في العام 1982، عندما اجتاحت إسرائيل لبنان ووصلت قوافل الجيش الإسرائيلي على مشارف العاصمة بيروت وبلغت منطقة ظهر البيدر. 
على أن الطامة الكبرى كانت في الخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبه رئيس النظام العراقي صدام حسين باجتياحه إمارة الكويت والذي كان سببًا في قيام تحالف دولي تولّى عملية ضرب العراق وتفتيته على كافة الصعد العسكرية والاقتصادية والاجتماعية والمعيشة وتحويل شعبه إلى قبائل متنافرة ومتناحرة. ولا يزال العراقيون يحصدون الويلات والخيبات حتى اليوم. 
إلى أن وصلت الأمّة العربية إلى ثالثة الأثافي وهو ما أطلق عليه بالربيع العربي الذي تكفّل بضرب المجتمعات العربية ونهب الثروات وإثارة النعرات والخلافات العربية - العربية، ورمي العرب على هامش الحياة وخارج سياق تطور العالم. 
كل ذلك والعرب نيامٌ في سبات عميق قد لا يوقظهم غير صدمة وقوعهم تحت سيطرة وهيمنة مستعمر جديد يجتاح بلدانهم، أتى من أربع رياح الأرض بلبوس الديمقراطية وحرية الشعوب في تقرير مصيرها وتحويلهم إلى عبيد وإماء لأسياد جدد.