كأن قدر اللبنانيين التنقل بين فراغ وفراغ وقدر البلاد الإرتهان الدائم الى التعطيل والتسويف والفراغ، تلك هي السياسة التي يعتمدها المسؤولون اللبنانيون الذين غرقوا في الحصص الوزارية فنسوا الوطن والمواطن .
بين توزير فلان واعتراض فلان وبين صيغة الـ 30 و الـ 24  طارت الحكومة في ساعات الليل المتأخرة فلم تعلن التشكيلة الحكومية التي انتظرها اللبناينون يوم أمس وخرج الرئيس سعد الحريري من قصر بعبدا ليلعن أن الأمر بحاجة الى مزيد من المشاورات .
الأسباب واضحة ومعروفة وتكمن في الخلاف على توزيع الحقائب والحصص من جهة ومن جهة ثانية تكمن في اعتراض البعض على زيادة عدد الوزراء تحت عنوان وزير دولة (وزير بلا حقيبة) الأمر الذي أدى الى إعادة الحسابات لدى بعض الأفرقاء فطارت الحكومة بحجة المزيد من المشاورات  .
_ الرئيس بري رفض تقليص حصته ورفض ان يكون وزيره الثاني وزير دولة .
_ إشكالية درزية طرأت استدعت زيارة مروان حمادة ووائل ابو فاعور الى بيت الوسط بإسناد من تغريدة صباحية للنائب وليد جنبلاط، لم تخل من الرسائل المتعددة الاتجاهات. 
_ فيتو قواتي على منح يعقوب الصراف حقيبة الدفاع لأن تنازلها عن حقيبة سيادية كان بشرط التوفق معها على اختيار وزير الدفاع، بالإضافة إلى معارضة القوات لحكومة الثلاثين وزيرا .
_ توجه بري وحزب الله باعتماد صيغة الثلاثين لضمان توزير الحلفاء وحزب الكتائب .

صيغة الـ 30 :

يكمن فتور الحريري حيال خيار «التشكيلة الفضفاضة» في خشيته من أن يصبح محاطا في مجلس الوزراء بطلائع ثلث ضامن غير معلن، تشمل ممثلي «أمل» و«حزب الله» و«القومي» و«المردة» و«الديموقراطي اللبناني»، فيما مشروع الـ24 يسمح له بالتخفف من «الحمولة الزائدة» لفريق 8 آذار. لكن مشكلة الحريري مع هذه التركيبة أنها لا تتسع لـ«الكتائب» الذي كان قد وعده بتمثيله.
أما عون و«التيار الحر»، وإن كانا أقل تحسسا حيال الحكومة الثلاثينية، إلا أنهما يفضلان تجنبها إذا استطاعا ذلك، تفاديا للمساس بتوازن الأعداد والحقائب الذي أرسته معادلة الـ24، الى جانب أن إضافة الوزراء الستة الجدد لن تقدم ولن تؤخر كثيرا في حصة كل منهما.
ولعل الجهة الأشد اعتراضا على خيار التوسعة هي «القوات» التي تشعر بأن الهدف من ذلك «إغراق» الحكومة بمسيحيين من خصومها (أسعد حردان.. الكتائب.. وربما سليم جريصاتي، الى جانب يوسف فنيانوس ويعقوب الصراف..) الامر الذي من شأنه أن يفضي الى تكوين تكتل وزاري مسيحي وازن معارض لها. كما أن الحريري يتحسس من توزير جريصاتي ربطا بدوره المضاد للاتجاه الذي تسلكه المحكمة الدولية.

شروط وشروط مضادة تصب كلها في مصلحة القوى والأحزاب المتصارعة على الحصص والحقائب وبقي الوطن واحتياجات الناس والبلد للحكومة في آخر الإهتمامات لدى السياسيين بالنظر إلى الأسباب التي أدت إلى تأجيل الإعلان عن التشكيلة الحكومية .
لقد أصبح النظر الى الوطن وحاجاته وتنظيم الحكومة فيه كالنظر الى مؤسسة أو دكانة أو سوبر ماركت يجري فيها توزيع الحصص والمكاسب على قاعدة الغلبة للأقوى ولرأس المال بطريقة  ضاعت فيها حقوق الوطن والمواطن لتكون المعايير طائفية وحزبية ومصلحية بإمتياز .
تلك هي الطريقة التي تدار فيها سياسة العهد الجديد الذي أقسم أن تكون مصلحة لبنان هي العليا وأقسم أن تكون مصالح الشعب اللبناني في الأولويات السياسية والإجتماعية .
إن إدارة البلاد بهذه الطريقة هي تنكر لخطاب القسم وتراجع عن المباديء والأسس التي قام عليها، وإن إعلان المسؤولين اللبنانيين حرصهم على الوطن في العلن واعتماد أسلوب المماطلة و التسويف في الخفاء هي سياسة النفاق التي لم تعد تنطلي على أحد من اللبنانيين.