يبدو أن رئيس النظام السوري بشار الأسد مهتم هذه الأيام بالدراسات الاجتماعية والديموغرافية، حيث يكرر في كل مقابلة صحافية يجريها الإعراب عن ارتياحه لازدياد «الانسجام في المجتمع السوري».
الأسد مرتاح الى زوال الشوائب التي كانت تعكر صفو الاجتماع السوري. هذا ما قاله في مقابلة مع عدد من الصحافيين الأجانب مطلع تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي ومع صحيفة محلية يوم أمس. وكان قد استهل مطالعاته السوسيولوجية في داريا المدمرة بعد إجلاء جنوده أهلها والمدافعين عنها، ما أتاح له أداء صلاة عيد الأضحى فيها. كان يومها مشهداً سوريالياً أن يتحدث رئيس دولة على أنقاض بلدة فتتها بالمعنى الحرفي للكلمة طيرانه وبراميله ودباباته، عن الانسجام الاجتماعي.
لا يعني هذا الكلام غير تأكيد المنحى الفاشي لدولة آل الأسد وسعيها العلني الى تغيير المعطى السكاني – الاجتماعي في سورية، على نحو يعيد بناء «الأبد» بمساعدة روسيا وإيران وأتباعهما. يعتقد الأسد بقدرته على القبض من جديد على تدفق الزمن وتجميده على ما فعل والده، في سياق يخدم بقاءه في السلطة، الى سنة 2021، كما يقول، أو الى قيام الساعة، كما يخطط من خلال ذريته.
تحطيم المجتمع وتغيير حقائقه ليسا لعبة جديدة في الشرق الأوسط. سبقه كثر اليها من «جمعية الاتحاد والترقي» في آخر أيام السلطنة العثمانية والأحزاب الصهيونية في فلسطين وحاول تقليدهم فيها عدد من القوى أثناء الحرب الأهلية في لبنان، ناهيك بـ «أنفال» صدام حسين وغيرها من التجارب الكارثية الماثلة نتائجها أمامنا الى اليوم.
لا يشذ بشار الأسد عن أسلافه من طغاة المنطقة وفاشييها. ولا يبتعد عن مناهجهم في استيراد سكان مكان الذين يطردهم من أرضهم وتوطين آخرين يجيء بهم من داخل سورية وخارجها. وليس لدينا ما يشير الى قرب تغير هذا المسار في المستقبل المنظور أو إمكان وقف تداعياته التي لا تقل عن التأسيس لحروب طائفية واثنية قد تستمر طوال القرن الحادي والعشرين في هذه المنطقة البائسة.
وفق مقابلته الأخيرة، يشعر الرئيس السوري بالنشوة لانتصاراته المتتالية في حلب وغيرها وفي انهيار المعارضة المسلحة والسياسية وفي غياب أي نوع من الإدانة الدولية لجرائم التطهير الطائفي التي يرتكبها، على ما بيّن «الفيتو» المزدوج الروسي والصيني في مجلس الأمن قبل أيام.
ولعل التطورات السياسية الدولية تطمئنه الى تصوره لحكم بلاده (وبلادنا، ما دام يمسك حلفاؤه بالمفاصل الحقيقية للسلطة في لبنان، والشواهد أكثر من أن تحصى)، ليس من الناحية السياسية فحسب، فالأعوام الستة الماضية أكدت أن الأسد لن يغير أنملة من ممارسات أجهزته المعروفة قبل الثورة. بل أيضاً من ناحية استعداد عالم يتزعمه بوتين وترامب وخامنئي ومن ستأتي به الانتخابات المقبلة، لإفساح المجال أمام بشار الأسد ليبقى ويزدهر.
ومن المكابرة عدم الاعتراف بحجم الهزيمة التي منيت بها قوى التغيير في هذه المنطقة وانكشاف ضعفها وتفككها وهشاشة كل وجوهها عن مواجهة أنظمة مثل نظام بشار الأسد أو من يعادله. لكن الاعتراف بحقيقة انتكاسة الثورات شيء، والتسليم بصواب نهج التغيير الديموغرافي كأداة في السياسة الداخلية، شيء آخر. بكلمات ثانية، يمثل كلام الأسد قدرة الخرافة على الانتصار على الواقع. قدرة «الخطر التكفيري» المصنوع على تدمير آمال وتطلعات شعوب مزقتها الديكتاتورية والفاشية.