إنَّ الدور المنوط بالفقه في الحياة الدينية وغير الدينية هو أشبه بالجسم الذي يرفض أوامر العقل والقلب، لأنَّ العقل هو سفير الإنسان وأوّل الخلق، وبالعقل يُعرف الله وتُعرف الجنان، واستفتِ نفسك وإن أفتاك الناس وأفتوك، واستفتِ قلبك قبل أن تستفتِ شيخك أو فقيهك، فكيف يدعو الفقه إلى إصلاحٍ في الحياة وإلى إصلاح الخطاب الديني من أجل الدعوة إلى الوحدة وعدم التفرقة وفي الوقت نفسه تراه يُضيّق الخناق من خلال فتاوى فقهية ودينية بذريعةِ مواجهة الكفر، وتراه كيف يدعو إلى احترام الأديان والعقائد وفي الوقت نفسه يدور الفقه على التكفير والخروج على الدين، ولمنكر الضرورات المذهبية بالكفر وبجواز اللعن والسبّ والشتم ، وبالنجاسة على الإنسان وغير ذلك... فأصبح دور الفقه هو دورٌ دنيويٌ لا أخرويٌ، تماماً كالناطق بالشهادتين فيكفي ذلك لكونه مسلماً، وهذا ما يسمَّى بالإسلام الفقهي أو الإسلام الظاهري، وهذا لا يتدخّل في قلب الإنسان، أو كالمصلي الذي يقوم بكل شروط الطهارة وشروط الصلاة، ولكن قلبه مشغول بالتجارة والمال وحب السلطة والرياسة، فتصبح هذه الصلاة صلاةً فقهية وصلاةً ظاهرية، وهنا لا تعتبر بالضرورة صلاةً صحيحةً ترتقي إلى الروحية، أو إلى رادعٍ عن الفحشاء والمنكر، وبالتالي فقدت تلك العبادة جوهرها الحقيقي وهو انعكاسها في الحياة، التي ذكرت بعض روايات أهل البيت(ع) الهدف الذي من أجله شرِّعت تلك العبادة ، كقولهم "لا تغرَّنكم كثرة صلاتهم وصيامهم ولا كثرة ركوعهم وسجودهم " فلربما تكون عادة قد اعتاد عليها المرء... وكم من صائمٍ ليس من صيامه إلا الجوع والعطش، وكم من قارئٍ للقرآن والقرآن يلعنه.... وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ الفقه لا يُعارض الخشوع في الصلاة، بل الصلاة الخاشعة لا ترتبط بالفقه.
كثير من الأمور الفقهية ترتبط بالدنيا وهي في الواقع ليس لها قيمة ولا أثرًا أخرويًا كالزكاة عند مشهور المسلمين، والخمس عند من قال بوجوبه على سبيل المثال التي أدرجهما الفقهاء تحت العبادة وبالتالي أدرج الفقهاء فتاوى هي أشبه بفتاوى الحِيَل والهروب من الواجب الحقيقي، وهذا مما يدعو إلى التغلُّب على رذيلة أخلاقية، وهي حبُّ المال، وتشريع الاستعانة بهذه الحِيَل الفقهية إشارة واضحة إلى أنَّ الفقه أصبح مرتبط بظاهر العمل وليس مرتبطاً بعلَّة تشريعه التي تحقِّق السعادة الأخروية، وهذه الحيلة لم يكتشفها إلاَّ الفقهاء حيث بدورهم علَّموها للناس للهروب من أداء التكاليف، وبالأخص المرتبطة بالمال.
خلاصة الفكرة هي أنَّ الفقه يتكفَّل بصحة أو فساد ظاهر العمل ليس أكثر، ولهذا لا يمكن أن يعكس الفقه أو فتاوى الفقهاء واقع الدين، ومسؤوليته عن ظاهر العمل لن تجعله يتدخَّل في مسألة الإيمان، وبالتالي عملية الإصلاح الديني من خلال الفقه يكون معرقلاً في نظم الحياة الدينية والدنيوية.