إنّ أخطر وأخبث حالة يمكن أن تعتري الإنسان هي حالة تجمع بين افتقاده ﻷي نفع يقدمه لمجتمعه وبين امتلاكه لعقلية تعمل على منع غيره من تقديم أي خير لهذا المجتمع، وذلك من خلال عملٍ ماكرٍ دؤوب في إيقاع العداوة والبغضاء بين أفراد المجتمع وجماعاته وحُكّامه وإشغالهم بنزاعات بينهم لا تنتهي . 
ومَن يريد أن يعرف حقيقة سياسة هذه المنظمة الصفراء في لبنان والمنطقة، فعليه أن يقرأ هذه الكلمات ليعرف حقيقة هذا التنظيم، وليسأل نفسه بعد ذلك : هل سياسة هذه المنظّمة هي سياسة حزب رحمان أم سياسة حزب شيطان ؟!!
من القرارات المفصلية التي اتخذتها قيادة هذا التنظيم هي اعتماد سياسة تُظهِر في العلن للناس وعبر خطاب سلس ومزيّن بزينة الأخيار أنها سياسة وحدوية هَمُّها حفظ لبنان وأهله، بينما الهدف الأساس لهذه السياسة هو العمل الحثيث والخبيث على منع أي توافق بين أركان المجتمع اللبناني وأركان الدولة، وذلك من خلال العمل على إيجاد شخصيات متناقضة فيما بينها، لا سيما في مواقع الدولة الأساسية، وبالأخص في موقع الرئاسات الثلاث !!
ما أقوله ليس تحليلاً بل "معلومات" . وهو قرار معتمد من قبل هذا التنظيم منذ التسعينات، وقد اتسع طريق هذه السياسة الماكرة بعدما قويت شوكة قيادة هذا التنظيم منذ الانسحاب السوري سنة 2005 وتسلمه زمام أمور فريق الثامن من آذار منذ ذلك الوقت وحتى الآن !!
السؤال الذي يفرض نفسه هو : لماذا تعتمد قيادة هذه المنظمة هذه السياسة المدمرة للبنان وأهله، حيث بات البلد في حالة خراب على كل مستوى ؟!! 
يتضح الجواب من خلال معرفتنا بالهدف الذي آل إليه وجود هذا التنظيم في لبنان وارتباطاته الخارجية تحركه وتضع له سياساته . ولو حاول أن يظهر للناس غير ذلك، إلا أن البعرة تدل على البعير وأثر الأقدام يدل على المسير .

بعد اغتيال الأمين العام السابق للمنظمة السيد عباس الموسوي الذي كان لبنانيا بكل معنى الكلمة، وكانت سياسته في إدارة الحزب تعتمد على أن الناس هم الأساس، وأن المقاومة المسلحة وأخواتها هي في خدمة المجتمع لحفظه أمنيا ورفعة شأنه اجتماعيا على كل مستوى . إلا أن يد الغدر الإسرائيلية طالته سريعا، لتقع المنظمة ولبنان ككل بعد ذلك فريسة أطماع خارجية أرادت تسخير شيعة لبنان وبالتالي كل لبنان من أجل مصالحها الدولية، وأعني هنا إيران .
فإيران بعد استشهاد الموسوي قد جاءت بأضعف وأكثر شخصية تابعة لها على الإطلاق، لدرجة الذوبان المطلق في السياسة الإيرانية، فسلمتها الأمانة العامة للحزب، والتي تُحَدِّد قوانين الحزب ولاية أمينه العام بسنتين قابلة للتجديد مرتين فقط . لكن إيران فرضت شخصيتها هذه بشكل دائم على رأس الحزب منذ ربع قرن وحتى الآن، وأعني بها السيد حسن نصر الله .
فالسيد نصر الله ذاب في إيران لدرجة أنه يملك عقلية تقول أن الأساس حفظ الجمهورية الإسلامية ولو كان ذلك مقابل خراب لبنان وانهياره . وبما أن وجود دولة قوية متماسكة الأركان في لبنان يتنافى مع الدور المناط إيرانياً بنصر الله ومنظمته في لبنان وبالتالي في المنطقة، فهذا يقتضي أن يعمل هو ومجموعته جاهدين من أجل إفقاد أركان الحكم في لبنان أي انسجام، وإبقائهم في نزاعات بينية تشغلهم حتى عن التفكير في مساءلة عما يقوم به في لبنان وخارجه .
ومن تجليات هذه السياسة المدمرة للبنان واقتصاده ودوره، هو ما قام به الحزب في موضوع رئاسة الجمهورية وما يزال . فبعد تمسك الحزب بالعماد عون مرشحا وحيدا لرئاسة الجمهورية وتعمده تعطيل الدولة طيلة سنوات كونه يعلم أن أحدًا لا يقبل بعون رئيسا للجمهورية، معطلا بذلك البلد لسنوات، وبعدما فوجئ الحزب بالموافقة السعودية على عون رئيساً للجمهورية، أكمل مشواره التخريبي من خلال الإصرار على عون رئيسا للدولة، محاولاً ضرب عدة عصافير بحجرٍ واحد، وخصوصاً أن أحد أكبر هُموم الحزب هو إضعاف الرئيس بري وإشغاله بِرئِيسَي جمهورية وحكومة بينه وبينهما خلافات لا تنضب . وهو ما بدأنا نراه في بداية العهد الجديد للرئيس ميشال عون !!

سياسة الحزب هذه اعتمدها نصر الله ومجموعته منذ أيام الرؤساء لحود وبري والحريري قبل اغتياله . وهو دائم الحرص على تثبيت هذه الخلافات التي يعلم أنها تعطل الدولة  في القضايا الكبرى وتجعلها في حالة تخبط دائم بسبب نزاعات أركانها فيما بينهم، فيما يقوم نصر الله ومجموعته بتنفيذ الدور المنوط بهم إيرانيا داخل لبنان وخارجه .

السؤال الكبير الذي يطرح نفسه هنا هو : أين مصلحة الشعب اللبناني والمجتمع الشيعي الذي هو جزء كبير من المجتمع اللبناني -من الناحية الاقتصادية والإنمائية والسياسية- من هذه السياسة المدمرة التي تعتمدها قيادة الحزب (الله) الحالية . فإيران دولة تبحث عن مصالح شعبها بكل أشكالها وتقاتل من أجلها، حتى لو اقتضى الأمر إجراء محادثات واتفاقات مع أمريكا التي عَلَّمت إيرانُ أتباعَها لعشرات السنين أن يهتفوا بالموت لها ؟!!
وحتى العمليات العسكرية التي كانت تقوم بها المقاومة في التسعينات كانت مدروسة بطريقة تخدم عقد الصفقات الاقتصادية والسياسية بين إيران والدول النافذة في العالم المؤيدة والمدافعة عن "إسرائيل" كأمريكا وأوروبا، وكانت المقاومة تقاتل في لبنان ويذهب المفاوضون الدوليون إلى إيران لعقد صفقات معها مقابل التهدئة على الجبهة اللبنانية مع فلسطين المحتلة . وقد عرضت وقتها دول صناعية ضخمة على نصر الله تقديمات اقتصادية كبرى للبنان وبمليارات الدولارات مقابل حلول معينة على الحدود، لكن نصر الله كان يزرو إيران ويخبرهم بالعرض ثم يتبجح ضاحكا برفضه هذه العروضات كما حصل عندما أخبرنا بذلك عند زيارته مدينة قم الإيرانية، ومستهزءًا حتى بشكل الموفد الذي أوفدته أمريكا إليه وكان وقتها من اليابان . بينما  كانت إيران وما تزال تحتكر الحصاد السياسي والاقتصادي لتضحيات المقاومة وشعبها الصابر الصامد في لبنان، وتحصد هي فقط الثمار المتنوع من تضحياتنا عبر صفقاتها الدولية، حتى مع أمريكا نفسها التي تبجح نصر الله برفض عروض ضخمة منها لتحسين وضع لبنان الاقتصادي !!

إذًا، المنظمة الصفراء هَمُّها تعطيل التطور الاجتماعي والإنمائي وقوة الدولة اللبنانية من خلال الإتيان بالمتناقضات إلى الدولة، وهي لا تستطيع العمل في لبنان إلا من خلال إيجاد الخلافات بين أركان الدولة ومؤسساتها، وهي تحولت إلى منظمة تعمل في الداخل اللبناني -الذي تسبح بدماء شبابه- لتسخّره بكل طاقاته لخدمة مصالح شعوب أخرى نحترمها، ولكننا لسنا عبيدا لها ولن نكون يوما كذلك .